اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يفتشون في السياسة عن حل للأزمة اللبنانية، ويجتهدون قدر استطاعتهم في تبادل وجهات النظر للوصول الى نقاط تسوية، ليست مشتركة وليست جامعة بل هي لقاء مرتبط بالظروف وبفترة زمنية محدّدة. وهم بذلك لا يخرجون عن قواعد تأسيس الكيان الذي تأسس على قواعد سياسية بحتة ونتيجة توافق بين أطراف تخلّوا عن الإرادة الوطنية، وبرعاية خارجية هي صاحبة المصلحة في وجوده.

وبناء على هذا التوافق نشأت مؤسسات الدولة اللبنانية، والتعليم مؤسسة من هذه المؤسسات.

يتداول اللبنانيون أخبار التعليم بظرافة وعلى طريقة النكتة مع أن هذه الأخبار هي حقائق حصلت ولكن لصعوبة تصديقها حوّلها اللبناني الى نكتة ظريفة.

ومن هذه الأخبار أن وزير التربية أرسل أحد رجاله الى مدير عام وزارة التربية مع توصية شفهية، استقبله سعادة المدير ووضع أمامه طلب توظيف وقلما وتابع عمله، انتبه بعد مرور بعض الوقت أن الشاب لم يستعمل القلم واكتفى بالنظر الى الطلب حينا والى المدير العام حينا آخر، فقال له املأ الطلب بالمعلومات اللازمة، وعاد لمتابعة عمله، لكن الرجل بقي صامتا فقال له، ما بك فجاوبه "أنا ما بعرف القراءة والكتابة". عندئذ اتصل بالوزير وأخبره فجاوبه الوزير: لماذا تريد أن تحرمه من فرصة الوظيفة فأنا وزير تربية لا أجيد القراءة والكتابة. ومن المرويات، المدرّس الأمي الذي أصبح مديرا والمدير الأُمي الذي أصبح مفتشا. مع هذا صمد التعليم الرسمي لعاملين:

الأول: عدم انتشار التعليم الخاص الجيد، واقتصاره على أولاد السياسيين والمتمولين وبعضه كان مؤسسات تجارية لا علاقة لها بالتربية والتعليم.

الثاني: رغبة اللبنانيين في التعليم لأنه كان غاية لإثبات الذات والتباهي في بعض من الأحيان ويؤمن موقعا اجتماعيا محترما ومصدرا ماليا لا بأس به ويفتح نافذة الى التخصص في الطب وفي الهندسة وغيرهما من الفروع العلمية.

لذلك كان التعليم الرسمي يتفوق على التعليم الخاص التجاري، وهذا ما ساعد على رفع مستوى المدرسة الرسمية.

عندما تكون المدرسة الرسمية بخير يكون الوطن بخير، وبما أنه منذ نشؤ الكيان اللبناني لم يكن التعليم بخير فمن الطبيعي ألا يكون البلد بخير.

كيف نطلب أن يكون البلد بخير، والمدرسة الرسمية تُشرف على الانقراض، وعدد الطلاب في الجامعات الخاصة يساوي عشرات أضعاف الطلاب في الجامعة اللبنانية، وهل نستطيع أن ننكر أن لكل مذهب مديرية تعليم وضعت البرامج التي تريدها بدءا من الروضة حتى شهادة الدكتورة، وهل نستطيع أن ننكر أن لكل دولة جامعة مستقلة كل الاستقلال عن الدولة اللبنانية.

ماذا يعني ألا يكون للبنان مدرسة رسمية قوية وجامعة وطنية قوية تستوعب جميع الطلبة اللبنانيين وفي كل الاختصاصات، ببساطة يعني أن الدولة أضعف من المذاهب والطوائف ولا سيادة لها.

في التعريف: هي وزارة التربية والتعليم، والركن الأول في قيامة الأوطان هو ركن التربية، فأية تربية موجودة في لبنان، ومن هو المدرّس في المدارس الرسمية.

اتخذت المؤسسات التعليمة الخاصة مناهج في التربية خاصة بها، دون أي إشراف من الدولة أو تدخُّل، فصار في البلد برامج تربوية على عدد مديريات تعليم المذاهب والدول.

أستطاعت هذه المديريات الحيوية والقوية الفاعلية والنمو من التمدد اتجاه التعليم الرسمي فشاركت الدولة في مادة التربية، وتفوقت عليها، وهذه خطوة على طريق إلغاء دولة الكيان لمصلحة دول الطوائف والمذاهب.

لست أدري كيف يزعمون أنهم يسعون الى حل سياسي للمشكلة اللبنانية والخلاف لم يعد ينحصر في السياسة بل أصبح في الاجتماع والثقافة، فلكل مديرية من مديريات التعليم الطائفي برنامجها التربوي والثقافي، وهذا البرنامج أنتج هوية خاصة مستقلة عن بقية الهويات، لكنها هشة وضعيفة تنتهي صلاحيتها ودورها حين يقوم أصحاب الهوية القومية والوطنية بأدوارهم، وعلى مضمون البرنامج نشأت الأجيال، وتختلف من موقع التناقض المفتوح على مخرج الطلاق إذا كان في ذلك مصلحة لمشغّلي الطوائف والمذاهب التي تتمثل بأتباع في السياسة أو بمرجعيات سياسية أقوى من مرجعيات الطوائف، فتصبح الطوائف ملحقة برجال السياسة.

منذ نشأ لبنان عمل الأجنبي على إخفاء نقطة الصفر التي يجب أن ينطلق منها اللبنانيون لمعرفة هويتهم واتجاهاتهم، وأقفلوا عليهم في سجون الطوائف وقالوا لهم، هذا وطنكم ونحن قدركم، ومنعوا عنهم نسيم حرية التفكير.

لا يمكن إنقاذ لبنان إذا لم نحرره من مديريات تعليم الطوائف ومؤسسات التعليم التابعة للدول، ولا يمكن أن يتحرر لبنان إذا لم تتحرر التربية وتصبح تربية وطنية واحدة تتعلم فيها أجيالنا أنه لا يمكن ان ينتعش لبنان إذا لم يعد الى محيطه الطبيعي ويعتبر أن مصلحته في مصلحة محيطه الطبيعي. وبالتالي حل أزمة لبنان هي في بعث نهضة توحد الشعب على مبادئ الانتماء الى حضنه الطبيعي، وعندما نقول ان مصير لبنان وقف على أبنائه، فهل يمكن ان تكون مصلحة لبنان مع غير دمشق وبغداد وعمان والقدس. مصلحة اللبنانيين أن يقرؤوا في كتاب تنشئة وطنية واحد.

يبدأ حل المشكلة اللبنانية بالاتفاق على التربية والتعليم وبأن تكون مديرية التعليم الرسمية المرجعية الوطنية لإقرار البرامج التربوية الموحدة في جميع مدارس الكيان وإقرار كتاب جغرافية واحد وكتاب تاريخ واحد ليس بالشكل بل بالفعل والمضمون، وتطوير الجامعة اللبنانية بحيث تستوعب معظم الطلبة في جميع الأقسام العلمية والأدبية والتربوية.

ليركب البلد يجب ان يقتنع السياسيون بالمشروع التربوي العلمي الواحد وعلى أساسه يتفقون في السياسة الى مرحلة زمنية تسمح بإنتاج قيادات قرأت في الكتاب التربوي والعلمي نفسه.

اذا كنتم تريدون وطنا معافًى سليما عليكم أنشاء المدرسة الرسمية المعافية والسليمة والمُدرّس المعافى والسليم، وإلا ننعى لكم التعليم الرسمي في لبنان.

الأكثر قراءة

واشنطن تريد رئيسا بين تموز وايلول وكلمة السر بين بري وهوكشتاين جلسة «النازحين»: العبرة بالتنفيذ وتجاهل الهبة وتوصية من 9 نقاط مفاوضات القاهرة فشلت والمقاومة تدك القواعد العسكرية بعشرات الصواريخ