اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


"وإنّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم، ذهبت أخلاقهم، ذهبوا" كلام رائع ومعبِّر، يُعتبر دستورًا للبشر، أفرادًا وجماعات ودولًا.

أدرك أمير الشعراء أحمد شوقي أهميّة الأخلاق القصوى في بقاء الأمّة فوضع معادلته الواضحة، المؤلّفة من كلمتين  فقط: الأخلاق ـ الأمّة وربط حياة الأمّة واستمراريَّتها ببقاء الأخلاق.

• الكلمات الخالدة

هنالك كلمات زُرعت في التاريخ، وتجذَّرت في أعماقه، وما زال الناس يُردِّدونها

بشغفٍ وإعجاب، وكأنّها قيلت البارحة، من أمثال بيت الشعر المذكور آنِفًا.

ـ أو ما قاله الإمام علي بن أبي طالب (ر): "لا شرفٌ كالعلم ولا ميراثٌ كالأدب"

أكّد الإمام علي على ركنين ضروريين وكافيين لِدوام الأمّة: العلم والأدب اللذين يشملان الأخلاق.

- أو ما كتب مونتسكيو عن سقوط بيزنطية: "أعجب كلَّ العجب، لا، كيف ولماذا سقطت بيزنطية، ولكن كيف تمكّنت من البقاء حتّى العام 1453، نظرًا إلى قلّة الأخلاق وانعدام التفكير عند أهل بيزنطية، وخلافاتهم على كلِّ الأمور، حتّى على جنس الملائكة؟!

- أو ما وصل إليه ديكارت Descartes في تطلّعاته:

"أفكِّر، إذًا أنا موجود Je pense donc je suis" ربط ديكارت وجود الإنسان بالتفكير الذي يُميّزه عن سائر المخلوقات، وكأنّ من لا يُفكّر غيرُ موجود، علمًا أنّ سلامة الفرد والجماعة والدولة هي من سلامة الأخلاق.

• مفاهيم الأخلاق

- الأخلاق السّامية هي أمّ الفضائل والمكارم، من مشتقّاتها: العدل، الإنصاف، السلام، الصدق، الأمانة، الضمير، المحبّة، التضحية، الشرف، القناعة، العمل والغيريّة...

- الأخلاق الحميدة تُقوّي الفرد وتجعله عنصرًا فاعلًا وناجحًا، وتؤسِّس العائلات على الكرامة والمحبّة والمسؤوليّة، فالعائلة الناجحة هي حجر الزاوية في البناء الاجتماعي، مجموع العائلات يؤلّف المجتمع الراقي، المتحضّر، المتمدّن، وهذه المجتمعات الخلوقة تؤسِّس وتبني الدولة على صخر حيث لا تقوى عليها الرياح.

-الأخلاق العالية مدرسة تربّي وتعلِّم وتبني المؤسسات الإنسانيّة والاجتماعيّة والحضاريّة... وتفرض على المرء أن يُحِبَّ أخاه، ويتعاون معه، ويقف إلى جانبه في السرّاء والضرّاء.

- الأخلاق الشريفة لا تعرف ولا تريد أن تعرف، العدل الاستنسابي، والغبن، والشرّ، والكذب، والخيانة، والكراهية، وقلّة التهذيب، والطمع، والكسل والأنانيّة...

أمّا الأخلاق المنحطّة فتهدم وتُعطِّل كلَّ شيء، تفسد المجتمع والفرد، حتّى ولو كان الفرد جيّدًا، فوجوده في مجتمع فاسد، قد يؤدّي إلى فساده، كما قال جان جاك روسو:

“L’homme par nature est bon, c’est la société qui le corrompt.’

"الإنسان بطبيعته جيّد، ولكنّ المجتمع (غير الصالح) يُفسده"

وبالتالي الأخلاق السيّئة لا تنتج غير الضرر، لا تريد الخير لأحد، تبغض، تحقد، تُسيء، تُشكِّل سدًّا منيعًا أمام التطوّر والتقدّم والترقّي والحضارة...

•أين نحن اللبنانيّين من الأخلاق؟

للأسف الشديد، نحن في أكثريّتنا، نبعد كثيرًا عن هذا العنوان الكبير، نخالف القوانين، نعتدي على الآخرين، نُزوّر، نغشّ، نسرق، نرشو و نرتشي، نبتدع الفساد، نخلق الشرّ ولو لم يكن موجودًا، وهنا نعتذر من الشاعر نزار قباني إذا استبدلنا كلمة الحب بكلمة الشرّ في بيت له من الشعر:

القباني يقول : الحبُّ في الأرض بعض من تخيّلنا إن لم نجده عليها لاخترعناه

أمّا نحن فنقول: الشرّ في الأرض بعض من تخيّلنا إن لم نجده عليها لاخترعناه

-لا تعنينا المبادئ الوطنيّة، مثل الانتماء الحقيقيّ إلى الوطن، والولاء المطلق له، والعمل والتضحية في سبيله، والاقتناع بأنّ خير الفرد من خير الجماعة (المبدأ الياباني).

-مصيبتنا الكبرى عبَّر عنها الشاعر أمين نخله يوم إزاحة الستارة عن تمثال رياض الصلح:

"اثنان في الشرق أعيا الدهر جمع هواهما فمشرّقٌ هذا وذاك مغرِّبُ

هذا ما زرعه المتعصّبون، الحاقدون، الفاسدون في نفوس أبناء بلدنا وشرقنا!!!

وفي مثل هذه الحالات لا يُبنى وطن سليم. ويوم نُقدِّم أيَّ شيء على الوطن نفقده.

-لا نتعلّم من التاريخ ولا من الحاضر، لا نتعلّم من أخطائنا ولو تعدَّدت وتكرّرت، لا نعرف حقيقة واقعنا، فنعيش على مزاجنا وهوانا وأنانيّتنا، ونحصد الزؤان بدلًا من القمح، وها نحن لا نحصد غيرَ الزؤان!

- ولا نعرف أنّ زوال الأمّة هو من سقوط أخلاقها، ولولا ذلك لما كانت الامبراطوريات،  والسلطنات، والممالك، والجمهوريّات التي عُرِفت على مرِّ الأزمنة قد زالت وأصبحت كلمات من الماضي وذكرًا عابرًا في التاريخ!!!

ومن هنا يأتي خوفنا الرهيب على مصير لبنان ومستقبله ووجوده!!!

وعليه نقول: لو تحكّمت الأخلاق بمسار الدول لما خاضت آلاف الحروب وهدرت الثروات الطائلة من جرّائها، وضحّت بالملايين من القتلى والجرحى والمعاقين والمهجّرين، ونؤكّد على أنه لو صُرِفت تلك الأموال على العمران والمشاريع الإنتاجيّة؛ لما كنّا نجد فقيرًا أو جاهلًا على وجه الكرة الأرضيّة، ولو آمن الانسان بالأخلاق واعتنقها دينًا لانتفى الشرّ، ولو تشبّث بالأمان والسلام والخير ونزع الشرّ والطمع والكبرياء من مخيّلته لكانت الدنيا حديقةً غنّاء...

• الخاتمة

كم هو جميل أن يتمكّن الانسان من تخليد ذكراه بكتاب أو اختراع أو اكتشاف أو قطعة موسيقية أو تمثال أو لوحة أو بيت شعر أو كلمة واحدة مثل كلمة أرخميدس: "وجدْتُها: Eurêka: J’ai trouvé"، هذا لأقول: إنّ أحمد شوقي خلّد ذكراه بوضعه الأخلاق في أعلى مرتبة من مراتب مقوّمات الوجود وبالمعادلة الرائعة التي أوجدها: الأخلاق ـ الأمّة.

الأكثر قراءة

حزب الله يُحذر من الخروقات «الإسرائيليّة»: للصبر حدود الجولاني مُستقبلا جنبلاط: سنكون سنداً للبنان