اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ألا يبدو جنون الضعف في أحيان كثيرة، أشد هولاً من جنون القوة ؟ هذه حال "اسرائيل" الآن...

كم استغرق احتلال غزة عام 1967، وكان القطاع بحماية الجيش المصري، وكم يستغرق الأن في مواجهة مقاتلين لا يمتلكون الطائرات ولا الدبابات، ولا يقودهم جنرالات تتكدس الأوسمة على صدورهم وعلى ظهورهم، اذا تذكرتم ليلة الحشيش بين عبد الحكيم عامر وبرلنتي عبد الحميد ؟ مقاتلون قد يكونون حفاة. الكثيرون منهم لم يعرفوا الخبز ولا الماء لأيام، وربما لأسابيع.

تشاك شومر لم يكن يوماً خارج الأوركسترا "الاسرائيلية". أول يهودي زعيماً للغالبية في مجلس الشيوخ. الغرفة التشريعية العليا في الولايات المتحدة. واذا كان الكونغرس الهيكل الثالث وتعلو قبته نجمة داود، لم يتم بناؤه تبعاً للنمط العبري، وانما وفقاً للقواعد الفلسفية للعمارة الرومانية. حتى ان جيمس جيفرسون، الرئيس السادس للدولة، اختار له الاسم الروماني (الكابيتول)، مستوحياً معبد جوبيتر على تلة كابيتولين هيل، وهو الذي ارتأى استلهام التوراة في رمز الدولة بدل النسر الأصلع.

سيناتور نيويورك، بالرأس الهارفاردي، لم يقل ما قاله فقط خوفاً على "اسرائيل". أحداث غزة هزت الكثير من الضمائر الميتة على ضفتي الأطلسي، ليتراجع الافتتان بالنموذج الاسبارطي في القوة، والنموذج الأفلاطوني في الديموقراطية. صدمهم مشهد المجازر الهائلة، دون أن يروا مقاتلاً واحداً يسقط في أرض المعركة، أو أسيراً واحداً بملابس الميدان. جلّ الضحايا من الأطفال والنساء والمدنيين. كيف للقرن الحادي والعشرين أن يتحمّل وجود تلك المقبرة المترامية في العراء. لا مقبرة في التاريخ أخذت مثل ذلك الشكل التراجيدي.

كعرب، مكفوفي الأيدي ومكفوفي العيون، هللنا لوصف شومر لبنيامين نتياهو بـ "أكبر عقبة في وجه السلام"، وقد جعل "اسرائيل منبوذة" من العالم، داعياً الى انتخابات مبكرة للكنيست، كما لو أن هذه الانتخابات ستأتي بالملائكة، اذا أخذنا بالاعتبار مدى جنوح الكتلة الناخبة نحو النصوص الجحيمية في التوراة، وحيث الدعوة (الالهية) الى ازالة أي أثر لغير اليهود من أرض الميعاد.

انقلاب يهودي ضد "اسرائيل"؟ السؤال فضفاض جداً. التركيز على شخص زعيم الليكود ساذج وخادع. ثمة دولة قامت على الدم، وتدين ببقائها للدم، حتى اذا حاول اسحق رابين النظر بواقعية أو بعقلانية الى المستقبل، قضت عليه رصاصة ييغال عامير الذي تحوّل قبره الى مزار شبيه بقبور أنبياء التوراة، الذين لا ندري ما الحكمة من أن يتوارثوا النبوة. أنبياء يلدون أنبياء. ألا يحق لنا التساؤل، بل والاستغراب؟

منذ أن وجدت "اسرائيل"، لم نر أي رئيس حكومة يلقي بالقفاز في وجه الرئيس الأميركي. دافيد بن غوريون، وهو كبير آباء الدولة، امتثل في الحال لدعوة دوايت ايزنهاور الانسحاب من سيناء عام 1956. الرجل كان يعلم ماذا تعني أميركا إن لـ "اسرائيل" أو للشرق الأوسط.

هذا لنسأل ثانية، ماذا كان حلّ بالجيش "الاسرائيلي" لولا الجسر الجوي الأميركي الأكثر كثافة والأسرع وتيرة، مما حدث ابان حرب 1973، وان بات معلوماً كيف كان أنور السادات مبرمجاً على الايقاع الكيسنجري ؟

اليوم، حالة استثنائية (أم حالة شاذة ؟) بين واشنطن و"تل أبيب". محلل الشؤون السياسية في القناة 13 ايال بركوفيتش كتب "ان الولايات المتحدة لم تعد الى جانب "اسرائيل"، لكونها سئمت من هذه الحرب" (مجرد سأم !). أما محلل الشؤون العسكرية في القناة آلون بن ديفيد فقد تحدث عن "معركة لا تقدم فيها". "الأوان آن لاطلاق صفارة النهاية"، بعدما لوحت الادارة الأميركية بوقف الامدادات العسكرية. محلل الشؤون السياسية في القناة 12 آمنون آبراموفيتش ذهب الى أبعد من ذلك "لو لم يساعدنا الأميركيون بالذخائر والاسلحة، كما بالرسائل الموجهة الى ايران، لأضطررنا الى القتال بالعصي والحجارة".

نتوقف قليلاً عند ما كان يتوجس منه الأميركيون و "الاسرائيليون" ، أن ينفجر غضب العرب والمسلمين مع حلول شهر رمضان. لم تظهر أمسيات النار بل أمسيات الموائد الفاخرة. الطهاة بدوا على الشاشات جنرالات هذا الزمن. لا متابعة للكوارث اليومية في غزة ، المسلسلات أكثر اغراء بفاتنات ألف ليلة وليلة.

مثلما علّمنا التاريخ أي نهاية لجنون القوة، لا نتوقع نهاية مختلفة لجنون الضعف. قيل لنا، والعين على الاصبع النووية، تنبهوا الى جنون الضعف في "اسرائيل"... 

الأكثر قراءة

طوفان الأجيال في أميركا