اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


إنه أحد الكثيرين من شعبنا الذين فقدوا كل ثقة بأنفسهم وشعبهم وراحوا يبحثون عن شيء غريب يحل محلها. ولن يجدوا شيئا يحل محل الثقة التي فقدوها. أما الحزب السوري القومي فلا محل لمثل هذه الأسئلة البليدة عنده.أنه يؤمن بقوته وإمكانه تحرير الامة والوطن، إلا اذا قامت عناصر الأمة نفسها ضد حركة التحرير فحينئذ لا يوجه السؤال الى الحزب السوري القومي، بل الى هذه العناصر الفاسدة نفسها. سعادة الجزء الأول من الرسائل صفحة 284.

هذا ما جاء في رسالة الزعيم الى المواطن نعمان ضو جوابا على سؤال طرحه عليه أحد المواطنين يقول فيه: هل يتمكن الحزب السوري القومي من رفع نير الأجنبي، وهل توصل الى اكتشاف السر لهذه القصوى؟.

كان سعادة يعرف صعوبة تحقيق غاية الحزب، وكان يعرف انه يواجه ثعبانا برأسين، الأول هو الأجنبي الذي أراد ان يخلف العثماني في استعمارنا بالأسلوب التركي ويريد ان يبقى نفس المدة الزمنية التي أمضاها في بلادنا وأكثر إن استطاع، وقد أعلنها أحد القادة الفرنسيين عندما قال : أننا جئنا الى هذه البلاد لنبقى الى الأبد. أما الثاني فهو المواطن الذي استسلم لواقع الحال واقتنع بأنه العين التي لا تقاوم المخرز وأن قدره ان يبقى ضعيفا يعيش تحت سيطرة الأجنبي الى الأبد وأنه عاجز عن نيل حريته بنضاله واعتماده على نفسه.

لم يخف سعادة من الأجنبي، لذلك رأيناه يتحداه ليس في سورية فقط بل في العالم كله، وكان له ردا على كل من يتدخل بأمور سورية أي كان وأينما كان ومهما كان لقبه وكانت قوته.

وكان واثقا جدا من النصر وخروج الأجنبي من البلاد ونيل الاستقلال، لذلك لم يهادنه عندما طلب منه ذاك الأجنبي التخلي عن الاتجاه العسكري الموجود في الحزب لقاء إعطائه ما يريد من خيرات السلطة التي ستنشأ بعد الاستقلال، واعتبر الزعيم ان حل الجسم العسكري يعني التخلي عن شرف الامة وكرامتها. بينما كان جهابذة السياسة في البلد يسعون الى إرضاء الأجنبي والزحفطة نحوه طمعا بنيل مكاسب الألقاب والأملاك، وهذه الزحفطة هي التي جلبت لنا ويل ما بعد الاستقلال، لأنها كانت الأوتاد التي زرعها الأجنبي في حقولنا وربط الزحفطونيين بحبال تسمح لهم أن يقضموا ما تصل اليه أسنانهم من خيرات البلاد.

خاف سعادة من القواضم الذين رضعوا من ثدي الأجنبي ويُرضعون أحفادهم من نفس الحليب، وباكرا اكتشف خطرهم على البلاد، واعتبرهم الحواجز الصعبة أمام رحلة نهوض الأمة.

"أنه أحد الكثيرين من شعبنا الذين فقدوا كل ثقة بأنفسهم وشعبهم وراحوا يبحثون عن شيء غريب يحل محلها. ولن يجدوا شيئا يحل محل الثقة التي فقدوها".

هم لن يجدوا ما يحل محل الثقة، لأن الثقة تعني قوة الايمان المتولدة من المعتقد وقوة القرار وقوة الفعل، لكنهم وجدوا البديل الذي لا يحل محل الثقة لكنه يحل مشكلة الشعور بالضعف ويحقق لهم المكاسب والأرباح والجلوس على كراسي المراكز العالية.

الغريب انهم وجدوا الشيء الغريب الذي لا يحل محل الثقة، والذي جعل منهم أحجار شطرنج على رقعة البلاد، جعل منهم سدودا من طوب وحديد في وجه نهر النهضة، ورعايا للطوائف والمذاهب، منهم يستمدون قوة وجودهم وفاعلية حركتهم، ويمدون دوائر الطوائف بما يحتاجون يطلبون ويحققون لهم ما يشتهون.

الغريب ان الأجنبي أوجدهم ليكونوا الجسم الغريب في الأمة المُعرقل لنهضتها.

أوهم الأجنبي طواويس البلاد بأنهم نسور، وأنهم أسياد السهل والجبل والساحل، وعلى عاتقهم تقوم مصالح البلاد، جعلهم يبنون الحواجز بين فئات الشعب استعدادا للفتنة الداخلية، وحين دقت ساعة الخطر كانوا طواويس القِن وليس نسور الأوكار.

كان يضع سعادة في حساباته الخذلان وتعثر تحقيق غاية الحزب لأنه كان عالما بما يجري في سوريه وفي العالم، وكان يعرف أن انتصار النهضة يشكل خطرا على القوى الكُبرى التي تتقاسم العالم حصصا اقتصادية ومواقع استراتيجية، وأن هذه القوى تعمل ليل نهار للقضاء عليه قبل القضاء على الحزب، لكنه قرر أن يذهب الى المواجهة مراهنا على أصالة الشعب وإظهار القوة الكامنة في هذه الامة التي إن فعلت ستغير وجه التاريخ.

"أنه يؤمن بقوته وإمكانه تحرير الامة والوطن، إلا اذا قامت عناصر الأمة نفسها ضد حركة التحرير فحينئذ لا يوجه السؤال الى الحزب السوري القومي، بل الى هذه العناصر الفاسدة نفسها".

هو لا يخاف الأجنبي وهو يثق بقوة الحزب وإمكانه تحرير الامة والوطن، لكنه لم يكن واثقا من عناصر الأمة الفاسدة، وهو كان يدرك ان هذه العناصر ستكون ضد حركة التحرير وبالتالي ستكون السبب عرقلة مشروع التحرير، ومقصد سعادة واضحا عندما طلب توجيه السؤال الى العناصر الفاسدة فهو يحملهم مسؤولية فشل النهوض والتحرير.

ليست المرة الأولى التي يكتب فيها سعادة عن الفساد وعناصر الفساد فقد سبق له وكتب :لو تركت الفساد يستمر مندمجا مع الصلاح والجدارة لما كان نمو الحزب سوى تضخم لا يلبث ان ينتهي الى التفسخ والتفكك.

يعطي سعادة المعركة مع الفساد الأولوية المطلقة، لأنه يعتبرها نقطة الارتكاز في تحقيق غاية الحزب، فلا يمكن للأمة ان تنهض وتتحرر من سلطة الأجنبي التي كانت مباشرة وأصبحت

بالواسطة إلا اذا انتصرت على الفساد، ولا يمكن للحزب ان ينتصر إلا اذا صان الحزب من الفساد.

لذلك كانت خطة العدو بعد استشهاد الزعيم زرع بذور الفساد في داخله، والتي أثمرت فسادا في السياسة والمال والاقتصاد وأحيانا في الثقافة،ومع الزمن أصبحت ظاهرة يبرر وجودها المنتمون الى الحزب،وصار الحديث عنها كما الحديث عن الفساد في الأنظمة.

لم تعد المشكلة بالفاسدين فقط بل أصبحت بالذين يصمتون عن الفساد والفاسدين بحجة الالتزام بالمؤسسات.

يقول الزعيم في رسالة كتبها الى الرفيق إبراهيم طنوس :ومداواة الفساد بستره عن العيون بدلا من استئصاله وتطهير الأوساط منه، طب قديم قد أهمله الانسان لعدم فائدته.

تغطية الفساد ركيزة من ركائز بقاء الكيان واستمرار الطبقة الحاكمة في السلطة ونجاح أسلوب الوراثة بحيث نحن نعيش في زمن حكم أحفاد الأحفاد.

منذ نشأ الكيان اللبناني حتى اليوم لم تصل محاكمة فضيحة من فضائح الفساد الى نهايات سعيدة للشعب بل كانت تصل الى نهايات سعيدة لأصحابها، فكم من الفضائح التي ضجّت بها عناوين الصحف ووسائل الإعلامية المرئية والمسموعة ومنها على سبيل المثال وليس الحصر صفقة صواريخ كروتال التي وصلت العمولة فيها الى 150 مليون دولار،الى مشروع طريق ضهر البيدر المقابل للطريق الحالي حيث قبض المتعهد المبلغ كاملا ولم يرسم خرائط الطريق، الى صفقة زجاج مطار بيروت الدولي حيث قبض المتعهد ولم يشتر لوح زجاج واحد، ويروي أحد شهود العيان انه عندما سأل أحد النواب زميله المتعهد عن سبب عدم تنفيذ المشروع جاوبه "في حقيبتي ما يكفي من الفضائح لجميع السياسيين اللبنانيين"، ولم يسبق أن صدر حكم بقضية فساد إلا وكان وراءها خلفية سياسية بحتة واتفاقا بين جميع مكونات النظام على معاقبة الجاني، ويسبق عملية صدور الحكم بحث دقيق ومعمق عن أشخاص فاسدين في الفئات الأخرى كي يكون صدور الحكم عادلا ووطنيا، فكما يتقفون على اقتسام الحصص ونيل المكاسب، يتفقون أيضا على صدور الأحكام وإنزال العقوبات.

الطب القديم الذي اهمله الانسان لعدم فائدته في إنهاء حالة الفساد،يحضر بشكل دائم في جميع دوائر الأنظمة إن في بلادنا أو في العالم العربي ودول العالم الثالث وهو لا يغيب عن دوائر الدول القوية المتطورة والمتقدمة، ونجده هذه الأيام بأبشع الصور وبأحقر النفوس بحيث لا يتأخر أصحاب النفوذ من إنجاز أخطر الصفقات التي يفوح منها الفساد،والمواطن يعيش على كسرة الخبز، والحد الأدنى للأجور لا يساوي ثمن تنكة المازوت، وتتم التغطية من جميع الأطراف وعلى طريقة اليوم صفقتي وغدا صفقتك لذلك لا حاجة للفضائح. قبل ان يكون الفساد تراكما ماليا بطرق ملتوية أهونها الرشوة والعمولة وأخطرها النهب والسرقة، وقبل ان يكون استحواذا على المناصب والأملاك بطُرق غير شرعية هو فساد في الأخلاق والاحساس والشعور وفي العقل الذي يُشرّع لارتكاب المعاصي والمفاسد.

لا يجتمع الفساد مع الأخلاق على طاولة واحدة، ولا يلتقيا في غرفة واحدة، فالعلاقة بينهما علاقة صراع تكون نتيجته نصرا وهزيمة.

الفساد عِلّة في النفس ينتج عنها غياب القيم والأخلاق وحضور أسوأ الآفات.

تغطية الفساد في أنظمة الكيانات خطر على مستقبل الأمة أما تغطية الفساد في الأحزاب العقائدية والتي يوجد لبعضها نظرة الى الحياة والكون والفن فهو جريمة لا تغتفر، لأنها تضعنا وجها لوجه أمام بيت الشعر: إذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة اهل البيت كلهم الرقص.

أن تُصيب لوثة الفساد الأحزاب وتحظى بالتغطية من أصحاب القرار ومعظم المنتمين،هذا يعني أن هذه الأحزاب مصابة بالداء الخبيث وتحتاج الى عمليات جراحية تبدأ بمداواة الخلية الأولى في الدم ومن ثم مواصلة إعادة تركيب الجسد بخلايا جديدة صالحة قابلة للحياة.

لا يجوز التهاون بموضوع الفساد في الأحزاب،ولا يجوز تغطيته بغاية الحفاظ على السُمعة والطهارة، كما حصل في تاريخ أحزاب الأمة السورية، لأن هذه التغطية تنقل الأحزاب من ضفة التغيير وبعث النهضة والعمل على انتصار النظرة الجديدة الى الحياة والكون والفن، الى ضفة الأحزاب التي لا تشبه الأنظمة فقط بل تصبح الصورة الثانية للأنظمة في صفوف المعارضة، والأخطر من هذا كله هو مشاركة هذه الأحزاب في السلطة بحجة التغيير من الداخل فتنسى التغيير وتصبح جزءا من السلطة، تتشارك في كل فضائحها ومشاريع الفساد فيها.

هذه حالنا في الأنظمة وفي الأحزاب لذلك نحن بحاجة الى انتفاضة أولى في الأحزاب ومن ثم انتفاضة ثانية على الأنظمة والكيانات.

بداية الانتفاضة نقل طرح سؤال سعادة للفاسدين في الأنظمة الى الفاسدين في التنظيمات، وأصبح علينا أن نسأل لماذا سُمح للفساد ان يندمج مع الصلاح ؟ وكيف استطاع جماعة الفساد من السيطرة على الأحزاب ومصادرة أهدافها وإطلاق العنان لتحقيق أهدافهم الخاصة.

في 31/5/2024

الأكثر قراءة

عمليات اسرائيلية مكثفة في رفح والاستعدادات لحرب موسعة تتواصل! التيار والقوات في سجال «الوقت الضائع»