اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


نعود من جديد الى الحديث عن المؤسسات، لأننا ما زلنا بحاجة ماسة الى فهم كيفية نشوئها وأهمية دورها بعيدا عن صنمية التبعية لها، ولكي نخرج من عقلية كأن الحزب وجِد من أجل المؤسسات الى ان المؤسسات انوجدت من أجل تحقيق غاية الحزب، وألا نقتنع بأن لا غرابة ان يصبح الحزب غريبا في ضهور الشوير وراس بيروت والكورة بوجود المؤسسات الحالية والمكاتب التي تفتح ساعة تدعو الحاجة.

العجب العجاب هو توافق القوميين على سوء الحالة وصعوبة استحضار المخرج، واستنكافهم عن التفتيش في كتب سعادة عن أجوبة لأسئلة تشكل حلا للأزمة الحزبية التي دخلت في طور الصدأ، وأخاف ان تصبح في آتي الأيام عاصية على الحياة.

عندما يفشل القوميون في أن يكونوا متحدا اجتماعيا روحيا في متحد القرية والمنطقة والأمة فكيف يمكن لهم أن يكونوا منظمة قومية؟

يعترف القوميون انهم فشلوا في تكوين المتحد القومي، لكنهم حتى الآن يهربون من طرح السؤال الحقيقي عن سبب فشلهم ويصرون على التمسك بشرعية المؤسسات. فقد أصبحت شرعية المؤسسات تشبه شرعية المحاكم الشرعية عند المذاهب والطوائف التي تقوم على قاعدة ان الانسان ولد من أجل الشرع وليس الشرع من أجل الانسان.

يحدثونك عن فساد انت لا تعرفه، وعن صراع على السلطة انت لا تدري به، وعن انحرافات لم تقرؤها، وعن خلافات على المكاسب، وضمور في الحزب يخيفك، وينهي حديثه: نحن يا رفيقي، نحن حزب المؤسسات، ولا يحاول إشغال العقل والفكر بالتفتيش عن حل من معجن كتابات سعاده.

يقول سعادة: فإن القوميين يجب ان يكونوا متحدا اجتماعيا روحيا قبل أن يكونوا منظمة قومية. الرسائا الجزء الثالث صفحة 177

ليست العلاقة بين المنظمة والقضية القومية كعلاقة البيضة والدجاجة فهي واضحة منذ لحظة التأسيس، فقد أوجد الزعيم القضية ومن ثم وجه الدعوة وأوجد المؤسسات وكان الحزب السوري القومي الاجتماعي. مضى ما يقارب القرن على تأسيس القضية وتأسيس الحزب والنتيجة تراجع الحزب حتى أصبح كأي تنظيم عادي في البلاد، وبقاء القضية في ضمير كل من تعرّف إليها وحتى أولئك الذين خاصموها، هم اليوم يعترفون بصحتها ويتمنون لو أنها انتصرت.

أين المشكلة؟

المسألة الوحيدة التي يتوافق عليها السوريون القوميون الاجتماعيون أن العِلّة ليست في القضية ولكن لا يعترفون أنها في المؤسسات بسبب تقديسهم لها. ويعتبرون الحديث عنها كالحديث عن القضية، لا يجوز الاقتراب منها وبعضهم يعلم أنها ليست المؤسسات التي أنشأها سعادة.

المشكلة هي في فهم العلاقة القائمة بين المؤسسات والقضية، فهل تقبل القضية علاقة مع أي نوع من أنواع المؤسسات أم أنها تتطلب مؤسسات مُنشأة من روح القضية وغايتها؟

القضية تعني في ما تعنيه أن يكون القوميون الاجتماعيون متحدا اجتماعيا روحيا، فمن المسؤول عن إنشاء هذا المتحد الذي سيتحول الى منظمة قومية، ومن المسؤول عن صيانته والحفاظ عليه ويرعى تطوره وحركته حتى يصبح المُعبِّر عن مصالح متحد القرية أو المنطقة أو الأمة؟

المؤسسات هي الجهة المسؤولة، لذلك هي تتحمل مسؤولية فشل أن يكون القوميون متحدا اجتماعيا روحيا ومن ثم منظمة قومية.

لماذا لم يقم القوميون الاجتماعيون بانتفاضة ناجحة على المؤسسات؟

نعود الى سعادة: والبسطاء منهم هم دائما عناصر جيدة وصالحة للعمل إذا وجد من يعرف كيف يحركها ويوجهها، الرسائل ج 3 ص177.

هنا نجد المفتاح، فعندما يستعمل سعادة تعبير "إذا وجد من يعرف كيف يحركها ويوجهها" فإن استعماله إذا الشرطية يعني أنه يمكن الا نجد من يعرف كيف يحركها ويوجهها، ليس لأنه غير موجود بل لأن الإدارات المتعاقبة بعد استشهاد الزعيم عملت على لبطه الى خارج الحزب أو تعطيل دوره كي ينفردوا بقيادة الحزب على مزاجهم دون اعتراض من أحد، وكانوا دائما وما زالوا يتحدثون عن عدم مسؤوليتهم عن تقهقر الحزب والانتكاسات والاخفاقات والخيبات التي أصابته، وعما وصلنا اليه في هذه الأيام.

واحد منهم اعترف عندما أحرجه بسؤال أحد الرفقاء عن سبب الإخفاقات فأجابه: الرأس مصدر الداء.

يضع سعادة المسؤولية على المسؤول لأن على عاتقه تقوم عملية تحريك وتوجيه القوميين، وهذا المسؤول هو هيئة مديرية لجنة مديرية هيئة منفذية مجلس منفذية.... الخ...

وقد يكون عضوا في المديرية او في المنفذية ولكن تم تعطيل دوره لأنه ليس منتسبا الى منظومة الفساد ولا تربطه علاقة صداقة او مصلحة مع القيادات المتربعة على كراسي المسؤوليات.

لذلك لا يمكن لنا تحميل القوميين البسطاء وزر ما يحصل للحزب، وبخاصة ان معظمهم أصبح خارجه بعدما أدركوا ببساطتهم أن هذه التنظيمات لا تعبر عن القضية السورية القومية الاجتماعية.

لذلك نحن نقول لمن بقي في هذه التنظيمات على قيد القضية السورية القومية الاجتماعية أنه على عاتقهم تقوم المساعدة على التوجه الى القوميين الاجتماعيين وتحريكهم لبناء المتحد الاجتماعي الروحي وإنشاء المنظمة القومية التي تقوم على قواعد دستور القضية السورية القومية الاجتماعية بعيدا عن الفوضى والثرثرة والضوضاء والتسابق الى تسجيل النقاط وإشباع النزعة الفردية.

لأنه شاهدهم وهم يحاولون النيل منه ومن الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولأن أحدهم تجرأ على طرده من الحزب حانثا بقسمه منحرفا عن عقيدة الحزب ونظرته الى الحياة والكون والفن، كان يبارك كل حركة رفض لانحراف دستوري أوعقائدي، وها هو يؤكدها في رسالته الى مديرية توكومان: وإني أقول لك أن الرفيق جبران مسوح متألم جدا مما وصلت اليه حالة توكومان، وأصبح شبه فاقد الثقة بك وبرجال الإدارة الآخرين. وهذه خيبة عظيمة له بعد أن كانت ثقته بك وبمن معك في الإدارة كبيرة، حتى انه كان دائما يقول للزعيم "سترى ماذا سيفعل مديرنا في توكومان ولو كان يوجد بضعة أشخاص مثل مديرنا لكنا نكتسح الجالية في مدة وجيزة". وغير ذلك إذا كان المذيع مسوح لم يراع الطريقة النظامية في أمر من الأمور، فذلك قليل عليه ويجب عليك أن تشكر العناية معي على أنه لم يذهب الى أبعد من هذا الحد.

من رسالة الزعيم الى مديرية توكومان. الرسائل الجزء الثالث صفحة88 لماذا شكر الزعيم العناية التي منعت الرفيق جبران مسوح من ان يذهب الى أبعد من الانتفاض على هيئة المديرية. وهل كان المطلوب أكتر من ذلك؟

أنها إشارة واضحة يطالب فيها سعادة القوميين الاجتماعيين بأولوية التعاقد مع الزعيم والإخلاص لقسمي العضوية والمسؤولية على الخضوع لقرارات وتدابير المؤسسات.

ما حصل بعد استشهاده وما يحصل اليوم أخطر مما حصل في توكومان وأخطر مما حصل في غياب سعاده القسري، وهو يؤشر إذا بقي الوضع على حاله، أننا نسير نحو احتضار خطير جدا.

نحن اليوم نعيش ذكرى إطلاق سعادة الثورة القومية الاجتماعية الأولى، فهل أصبحنا بحاجة الى ثورة قومية اجتماعية غايتها بناء حزب القضية وعودته الى المجتمع؟

نعم أصبحنا بحاجة الى هذه الثورة.

 

الأكثر قراءة

عمليات اسرائيلية مكثفة في رفح والاستعدادات لحرب موسعة تتواصل! التيار والقوات في سجال «الوقت الضائع»