اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لا تؤشر إتجاهات العلاقات الدولية الراهنة إلى أن الحرب الأوكرانية – الروسية تقترب من نهاية مقبولة لدى أطراف الصراع الدموي، بل ما نتوقعه - والذي يحدث على الأرض - هو النقيض تماماً. ولا يبدو، في الوقت نفسه أن المعسكر المعادي لروسيا مستعد للنظر في إمكانات فتح ثغرة ولو صغيرة في الجدار الحديدي الذي أحيطت به روسيا بفعل العقوبات وإجراءات المقاطعة السياسية والاقتصادية على المستوى الاستراتيجي. وبالمقابل، يصعب علينا تصور حدوث تصدع في التحالف الأميركي – الأطلسي – الأوروبي تجاه أوكرانيا، على الرغم من وجود تمايزات محدودة كما في النموذج الهنغاري مثلاً.

التحالف الغربي (الأميركي – الأطلسي – الأوروبي) لم ينجح في خنق الاقتصاد الروسي، كما كان يخطط ويأمل. من جهتها، أحكمت القوات الروسية سيطرتها على مسرح العمليات الميدانية من دون أن توجه ضربة قاضية لأوكرانيا، بحيث تجبر كييف وحلفاءها على الخضوع للمفاوضات وفق شروط بوتين. وتوظف القوات الروسية في هذه المرحلة من الحرب تكتيك الزحف البطيء باتجاه خطوط قتال جزئية، من أجل إستنزاف العدو بشرياً واقتصادياً، إضافة إلى التدمير المنهجي للبنى التحتية الأساسية في المدن الأوكرانية الرئيسية.

وإذا كانت موسكو تراهن على أن الضغط داخل أوكرانيا سيدفع التحالف الغربي إلى إعادة النظر في حساباته غير المجدية حتى الآن، فإن الرد المضاد تمثل بمزيد من التصعيد السياسي والعسكري. وهكذا جاء قرار السماح لأوكرانيا باستهداف العمق الجغرافي الروسي وبأسلحة متطورة قدمتها أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا والدنمارك... وغيرها. وقد بدأت هذه الضربات بالفعل قبل أيام، وحتى اللحظة لم تُعرف التفاصيل الدقيقة من الجانب الروسي. ويجب علينا التعامل بحذر وتشكيك مع ما صرّح به الناطق الأميركي من وجود قيود معينة على الاستخدام الأوكراني للأسلحة الجديدة.

كما أمعن التحالف الغربي في تحدي موسكو واستفزاز بوتين عندما قرر مصادرة الأصول الروسية المجمدة في الخارج، وتحويل عائداتها إلى أوكرانيا لدعم مجهودها الحربي وحماية اقتصادها الذي يعاني صعوبات بنوية خطيرة. إن الإقدام على مس الأصول والودائع، وإن كان يؤذي روسيا مرحلياً، إلا أنه يسيء إلى الدول الغربية الرأسمالية على المدى الطويل لأنه يثير قلق الدول الأخرى التي تستعمل المؤسسات المالية الغربية لإيداع أموالها واحتياطاتها من الذهب... إلخ.

طبعاً توجد انعكاسات شرق أوسطية لما يدور في أوكرانيا، لكن هناك احتمالاً كبيراً بأن تحمل المرحلة المقبلة خطراً أقرب جغرافياً مما نتصور. فمن المعروف أن بريطانيا تعتبر من غلاة الصقور في المعركة ضد روسيا، وهي تزود كييف بصواريخ حديثة ومتطورة إستعمل بعضها بالفعل وحقق إصابات دقيقة. ومن المعروف كذلك أن موسكو حذّرت الغرب بأنها قد ترد على هذه الخطوات العدائية بطريقتين:

1 ـ توجيه ضربات وقائية إستباقية تستهدف خطوط الإمداد حتى لو كانت خارج ساحة العمليات في أوكرانيا.

2 ـ تزويد بعض الأطراف المحلية بصواريخ روسية متطورة، يمكن أن تُستخدم في توجيه ضربات موجعة ضد القوات الأطلسية حيثما تواجدت.

وهذا الموقف قد يقرّب النيران الأوكرانية من شواطئنا المتوسطية.

تملك القوات البريطانية في جزيرة قبرص قاعدتين عسكريتين فائقتي الأهمية هما "أكروتيري" (AKROTIRI) و"ديكيليا" (DHEKELIA) اللتين تشغلان 3 في المائة من مساحة الجزيرة الإجمالية. ولا نبالغ إذا قلنا إنهما من أهم القواعد العسكرية البريطانية في العالم، وقد لعبتا منذ البداية أدواراً حيوية في "حماية المصالح الاستراتيجية للمملكة المتحدة"، وللحلف الأطلسي بطريقة غير مباشرة. وهما تقومان حالياً بمهمات أساسية في سياق النشاطات العسكرية والعمليات القتالية التي ينفذها "التحالف الدولي" في اليمن والعراق وسورية وفلسطين... وغيرها.

إن الوضع الخاص لنجمة الهلال الخصيب، وقربها الجغرافي من ساحة المواجهات في الشرق الأوسط، وأهميتها العملانية لمخططات "التحالف الدولي"، وكون القاعدتين العسكريتين خاضعتين للسيادة البريطانية... كل هذه الاعتبارات تضعهما، وتضع قبرص بالتالي، في مرمى الخطر وعين العاصفة. وحتى هذه اللحظة، لم تتراجع لندن عن تأييدها المطلق لأوكرانيا، في حين أن موسكو تواصل إطلاق التحذيرات والتهديدات تجاه كل إجراء عدائي غربي جديد. لكن إلى متى تصمد سياسة اللعب على حافة الهاوية الكارثية؟

الجواب على هذا السؤال قد يشكل الفارق بين إطفاء الحريق أو سكب الزيت على النار، فيشتعل الساحل الشرقي للمتوسط ومعه قبرص نجمة الهلال الخصيب.     

الأكثر قراءة

لا تقعوا في فخ حزب الله