اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


مرّ تسعة أشهر على العدوان الصهيوني على غزة وإسناد جبهة جنوب لبنان للقطاع، بموقف أخلاقي تاريخي للمقاومة الإسلامية، ما زال يستغربه الى حدّ الاستنكار مَن لا يرقى بإنسانيته وعقيدته وتفكيره الى هذا المستوى، حيث يظهر الحس العالي بالمسؤولية والمصلحة العامة بقتال "إسرائيل" والتي تتخطى الحدود، من بناء الأوطان الى النهوض بالأمة، بعكس الأنانية والفردية القاتلة التي تُجزِّىء أبناء الوطن الواحد، وبالتالي الوطن قبل أي شيء آخر، لذا يُسمع منطق التقسيم والتصرّف على أساس أن الجنوب خارج حدود الوطن... وهكذا بدأت الحكاية...

كلام كثير قيل ولم يلقَ رداً، ليس لعدم القدرة على ذلك، وبخاصة أن قوة الحق والمنطق موجودة وهي السلاح الأقوى، إلا أن أهل الجنوب والمقاومة الذين يأخذون موقع المُضحي من أجل حماية البلد كلّه، لم ينتظروا من شركائهم بالوطن أن يُقدِّروا ما يقدِّمونه من تضحيات ودماء تستحق أن يُنحنى لها، فاستخدموا أيضاً قوة استيعابهم لعدم الانجرار الى سجالات داخلية، في وقت لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، لكن فعلاً "إذا أكرمت اللئيم تمرّد"...

فإذا قمنا بجولة على التصريحات التي قيلت ضد المقاومة وأهلها من بداية الحرب وحتى يومنا هذا، نجد تصريحات بخلفيات متنوعة، بحيث هناك الحاقد والمتناقض والمشكِّك والمحرِّض، وصولاً الى مَن يُهلِّل للحرب "الإسرائيلية" على لبنان ويتمنّاها. فمِن استنكار فتح جبهة الجنوب بحجة "لبنان لا يريد الحرب"، الى تحريض العدو الإسرائيلي على الحرب على لبنان، بالإضافة الى الكلام الذي يهدف الى فصل الجنوب عن البلد، والكلام الذي يزوِّر التاريخ كي يُقصي فئات لبنانية أساسية في البلد، والكلام ممن يعتقد نفسه بموقع منح شهادات بالوطنية الى حد سحب الجنسية، والكلام الذي يدعو لثقافة الحياة بحرب مع العدو ويدعو لثقافة الموت بحرب أهلية، والكلام الذي يعترض على تعويض الدولة على أهل الجنوب باستخدام تعابير تقول "اللي فتح حرب يعوّض عليهن"، عدا  التطاول على الشهداء الى أن وصلت الأمور الى وصف مَن يُقاتل العدو "الإسرائيلي" عدو الإنسانية، مغتصب الأرض، قاتل الأطفال "بالإرهاب"...

هنا، بات أخذ الموقف والرد على كل ما يُقال يَندرج ضمن قول للإمام علي بن أبي طالب (ع): "حين سكت أهل الحق عن الباطل توهّم أهل الباطل أنهم على حق"، لذا بات ضرورياً على الأقل توصيف المشهد حتى يعرف كل شخص أو طرف من خلال الموقف الذي يتخذه والكلام الذي يقوله في أي جهة يضع نفسه.

في بلادنا توجد جبهتان:

١-  جبهة مقاومة ترفض وجود "إسرائيل"، وترفض أن تُهيمن أميركا على المنطقة ومستقبل وشؤون شعوبها، وتريد أن تكون مستقلة وسيّدة، وأن تُحرِّر هذه الأرض المحتلة من الكيان وتُعيد الشعب الفلسطيني الى أرضه، لأنها تعتبر أن إزالة "إسرائيل" هي شرط أساسي لقيامة المنطقة ولبنان ضمنها...

٢-  جبهة متواطئة ومنخرطة لأقصى مدى بالمشروع الأميركي و "الإسرائيلي"، لأن مشروع الكيانات العنصرية المغلَقة وُجِد قبل ومع وبعد وجود "إسرائيل" في المنطقة، كجزء من تدميرها وتفكيكها. وهناك مَن لا يزال ينتمي الى هذا المشروع التفكيكي للمنطقة، بوضوح هناك أناس يريدون أن تبقى "إسرائيل" ويبقى هذا الكيان، ولديهم استعداد للقتال من أجل الدفاع عنه، ويَدفعون مالاً ليدافعوا عنه ويستخدمون أبواقاً إعلامية ليدافعوا عنه، لأن هناك مَن يعتقد أن الغرب هو القوّة الوحيدة في هذا العالم، وهو نموذج الرقي والحضارة والقوّة، وعلى الجميع أن يكون خادماً له، هؤلاء يعتبرون أن وجودهم مرهون بوجود هذا الكيان وهذا النفوذ الأميركي، وهذا رهانهم من البدايات كنوع من العنصرية وفقدان الهوية.

إذاً، لكل شخص أو جهة أو طرف حرية الخيار، في أي جهة يجد أو يضع نفسه في أيام لا غبار على وضوحها، يُشرح خلالها مفاهيم تم تشويهها وتحريفها، وبعضها تناول الثقافات وصولاً للحياة والموت... وهنا لا بدّ من ذكر ما قاله أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يوماً علّه يستطيع كعادته تصويب ما تم تضليله: "لا نطلب الموت للموت... الموت بالنسبة إلينا طريق حياة... الموت بالنسبة إلينا طريق صنع حياة للأمة"... وهنا يمكن القول إن قتال "إسرائيل" بهدف إزالتها من الوجود مهما كانت التضحيات هو من أجل الحياة... الحياة بكرامة وكما يجب أن تُعاش بمعناها الحقيقي...

الأكثر قراءة

لا تقعوا في فخ حزب الله