اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


أخذاً بالنظرية القائلة ان الديانات تحولت في القرن العشرين الى ايديولوجيات، والايديولوجيات تحولت الى ديانات. لماذا يفترض أن تكون الديانات والايديولوجيات كئيبة الى ذلك الحد، وقاسية الى ذلك الحد؟ الله، كما قالت النصوص المقدسة، هو الكلمة لا العصا؟

سؤال قد يصدم الكثيرين. اذ اندثرت الايديولوجيات من الشيوعية الى الفاشية فالنازية لهذا السبب، هل لنا أن ننتظر مصيراً مماثلاً للديانات؟

مع اقتناعنا بقول الباحث النمسوي الذي اعتنق الاسلام ليوبولد وايس، بعدما ذهب بعيداً في قراءة النص وفي قراءة الحالة، لا نظام لدولة اسلامية في القرآن، كون الاسلام ديانة كونية وللبشرية جمعاء، كان بديهياً للثورة في ايران بالمقاربة العاصفة للتغيير، وبرؤيتها للفظاعات التي تحكم سياسات واستراتيجيات القوى العظمى، أن تواجه بالحصار من كل حدب وصوب.

لكننا نتوقف عند الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو، الذي اذ افتتن بشعارات الثورة ـ كنموذج لاجتثاث النزعات التوتاليتارية في العالم ـ وهي التي وجدت لتحطيم مبدأ اليد الغليظة في الخارج، أبدى ذهوله للجوء تلك الثورة الى اليد الغليظة في الداخل.

هللنا كثيراً حين رأينا العلم الفلسطيني يحلّ محل العلم "الاسرائيلي" في طهران، بعدما كان الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي يعتقد، أنه بالتحالف مع الدولة العبرية يستطيع احياء أمبراطورية قوروش، لنرى هنري كيسنجر يقول ان ما فعله آية الله خميني أنه قلب المشهد رأساً على عقب. العداء معها السبيل المثالي لاقامة الأمبراطورية الاسلامية.

كان من البديهي، أن توقظ الثورة المنطقة التي خرجت من الغيبوبة العثمانية، لتقع في الغيبوبة البريطانية والفرنسية، ثم في الغيبوبة الأميركية. أي يقظة حين تكون ثرواتنا وأرواحنا وحتى عظامنا في قبضة الاله الأميركي؟ بعد نصف قرن من الثورة أين هو الشرق الأوسط؟

انه في طوفان النار في غزة، حيث الحفاة والجوعى زعزعوا بل زلزلوا الوجود "الاسرائيلي"، وحتى الوجود الأميركي في المنطقة. اذ لا نؤمن بـ"الحالة الاسلامية" وهي غائبة كلياً، أين هي الحالة العربية أو الحالة الفلسطينية، التي تتفاعل مع ذلك الحدث الاسطوري في القطاع لتغيير المفاهيم، وحتى لتغيير السياسات التي اعتراها الصدأ، واعتراها العفن؟

هذا ليقال ان آيات الله استخدموا الايديولوجيا كوسيلة للتمدد الجيوسياسي والجيوستراتيجي، مع تبرئة الأميركيين و "الاسرائيليين"، مما حلّ من خراب في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

بعد الضجيج الذي ثار عقب فوز الاصلاحي (المحافظ) مسعود بزشكيان في رئاسة الدولة، نسأل هل كان وضع ايران أفضل لو انتهجت الثورة مساراً آخر، وانضوت تحت المظلة الأميركية؟ ما دام النفط هنا، وما دامت "اسرائيل" هنا، لا مجال لأي دولة أن تطفو على سطح القرن.

ولأن الايرانيين رفعوا الصوت، لا بد من الاختناق الاقتصادي والاختناق الاجتماعي. ولكن الى أي مدى يمكن تحمّل تلك الآلام التي ترافقت مع ثقافة الخيزرانة، ومع اعتبار التقاطع بين مسببات الأزمة الداخلية والأزمة الخارجية؟ هنا يتوقع الكثيرون تغليب النظرة البراغماتية على النظرة الايديولوجية في صياغة السياسات.

قناعة بزشكيان أن ايران تحولت الى قوة مركزية في المنطقة، ولا مجال للولايات المتحدة استيعابها، أو محاولة تفجير النظام فيها. هكذا المرونة في اللغة الديبلوماسية ضرورية، لأن الايرانيين يستحقون الحياة، المهم أن تكون القيادة الدينية قد اقتنعت بجدلية الأزمنة، لكون المراوحة "تقتل روح الأمة" كما قال علي شريعتي، وهو الذي رأى أن الاسلام يشق الطريق الى الأفق، لا الى جهنم!

تعهدات واعدة أطلقها الجرّاح، الذي يعلم أن بلاده باتت بحاجة الى أكثر من جراحة هيكيلية. من هنا، نفض اصحاب الأصوات الرمادية الرماد عن رؤوسهم وعن قلوبهم، وهبّوا الى صناديق الاقتراع.

لا مجال للمضي في سياسة العصا. الرئيس قال بالحرف الواحد "عندما يمكنك أن تتجنب القوة، لا تضرب. لا تقل أنا القائد، واذا رفع أي شخص صوته فلسوف أسحقه".

رجل لم يكن ليصل، وليعد ما وعد به، لو لم يكن آية الله خامنئي قد رأى أن اشياء كثيرة ينبغي أن تتغيّر، دون المس بالمبادئ الأساسية للثورة. ثورة داخل الثورة. هذا ما تحتاج اليه ايران. هو منطق الأشياء وقوة الأشياء...

الأكثر قراءة

«الأحد الأسود» يهز «إسرائيل»... وبزشكيان لنصرالله : لن نتخلّى عن المقاومة «خارطة طريق» رئاسيّة للمعارضة اليوم خطر العتمة الشاملة بانقطاع تام للكهرباء! مُخطط نتانياهو يهدّد «الفرصة الأخيرة»