اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لم تعد الكرة الأرضية تقف على قرن ثور (ثور هائج). انها على فوهات بركان اذا ما تابعنا الضجيج داخل قمة الأطلسي في واشنطن، وحيث فتحت أبواب الجحيم على مصراعيها. اذا ما بقيت تطورات الأرض، على ايقاعها الحالي، في أوكرانيا، لتمكّن القيصر من غزو القارة العجوز، أو على الأقل احتواؤها استراتيجياً. حينذاك يتسنى للروس والصينيين اخراج الولايات المتحدة من مقصورة القيادة (قيادة العالم)، وربما اعادتها الى الهنود الحمر.

صحيح أن وكالة الاستخبارات المركزية أثارت ذهول العالم حين حددت توقيت الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنها أظهرت نقصاً دراماتيكياً في الرؤية حين تغاضت عن قراءة طبيعة البنية السيكو ـ تاريخية للشعب الروسي، بتضخيم نقاط الضعف في الدولة الروسية، والى حد التأكيد أنها آيلة الى التفكك، أو الى التحلل، في غضون اشهر قليلة، تماماً كما حدث للاتحاد السوفياتي. هذه المرة سيتحول الكرملين الى مقبرة للقياصرة لا الى مقر للقياصرة.

الثابت أن روسيا كانت بحاجة الى هذه الصدمة بعد سنوات من الغرق الاقتصادي، وحتى الثقافي، في الحالة الأميركية، بالاعتماد المطلق على الاستهلاك، حتى اذا ما تمكنت ادارة جو بايدن من استدراج فلاديمير بوتين الى الساحة الأوكرانية، وظهور مدى الهشاشة ـ الهشاشة المروعة ـ حدثت ردة الفعل الزلزالية، لتنطلق النهضة من المصانع والحقول، وليخرج الجنود من معاطفهم الثقيلة، والرثة، بعدما تحولت الثكنات الى مستودعات لتكديس الرجال العاطلين عن العمل.

على الأرض، وبعد سقوط عشرات آلاف الجنود الذين كانوا على غفلة تامة من مقتضيات الميدان، ومن أهوال الميدان، تخرّج آلاف الضباط من الخنادق، وبخبرة عملانية سرعان ما تجلّت فاعليتها على الأرض، تزامناً مع اعادة تأهيل الأجهزة الاستخباراتية التي انتقلت اليها عدوى الترهل، لتفاجأ بما فعله الأميركيون على الأرض الأوكرانية وفي الرؤوس الأوكرانية.

أكثر من ذلك، اعادة "اضرام النيران في الأدمغة الروسية" التي هبت الى تطوير الأسلحة اللازمة لمواجهة الأسلحة الغربية، حتى اذا ما أخذنا بالاعتبار مدى تأثير التعبئة القومية، بدا أن الأميركيين نقلوا، على ظهورهم، الدببة القطبية من وراء الثلوج الى حلبة الصراع، ليقاتلوا بعقلية ستالينغراد لا بعقلية راقصات البولشوي.

كل ما قدمه الأطلسيون، طوال تلك الأشهر، ذهب هباء. صحيح أن الروس لم يصلوا الى كييف في غضون أيام، لكنهم تمكنوا من احتلال خمس مساحة أوكرانيا، كما دمروا العديد من المرافق العسكرية والاقتصادية الأكثر حيوية. واكب ذلك التراكم الكارثي للأزمات الاقتصادية في الكثير من البلدان الأوروبية، ما أدى الى تلك الانقلابات السياسية المثيرة في صناديق الاقتراع.

جو بايدن الذي يستميت للبقاء على عرش العالم لسنوات أربع أخرى يعتبر أن خروجه على قدميه يوم "الثلاثاء الكبير" يستلزم نصراً ديبلوماسياً في الشرق الأوسط، ونصراً عسكرياً في الشرق الأوروبي. منطقتان في ذروة التعقيد. كيف للبطة العرجاء احتواء بنيامين نتنياهو، وكيف لها أن تدفع بالقيصر خطوة واحدة الى الوراء ؟؟ احدى الصحف المجرية قالت، وعقب صدور مقررات قمة الأطلسي " ان بايدن يحطم عظام الأوكرانييين للبقاء، كهيكل عظمي، في البيت الأبيض".

الادارة الأميركية عرّضت، وتعرّض، بقاء أوكرانيا للخطر. غريب أن ساسة في بلدان متاخمة يراهنون على تقاسم أراضيها مع الروس. نائب رئيس المجلس القومي الروسي ديمتري ديفيديف قال "يتعيّن على روسيا أن تفعل كل شيء حتى ينتهي طريق أوكرانيا الذي لا رجعة فيه الى الأطلسي باختفاء هذا البلد، وكذلك الحلف نفسه".

40مليار يورو، كحد أدنى، المساعدة السنوية لفلوديمير زيلينسكي الذي يقود الحرب "كمن يمتطي ظهر الثعبان". المهم أن اسلحة أخرى ستكون بين يديه، وتهدد العمق الاستراتيجي للدولة الروسية التي لن تتراجع، وأياً كان الثمن، وأياً كانت الوسيلة، خطوة واحدة، ما يشي بأن الانفجار الكبير، وربما الانفجار النووي، على الأبواب كون الروس يدافعون عن وجودهم، وليس فقط عن أرضهم. عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض قد تقلب المشهد رأساً على عقب.

هل يحارب الأوكرانيون من أجل أوكرانيا أم من أجل أميركا؟ سؤال الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري الى الأوروبيين أيضاً، ليخلص "كل تلك الأحصنة الحمقاء يقودها الكاوبوي، كما الثيران، الى... ليلة السكاكين الطويلة".

الأكثر قراءة

مُراقصة المستحيل في جنوب لبنان