اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



الوطن هو المكان الذي نشعر فيه بالانتماء والانسجام، حيث تنبض قلوبنا بحبّ هذه الأرض وتاريخها. فكل إنسان يجد في وطنه راحة البال والأمان، ويشعر بالفخر لانتمائه إلى هذه البقعة الجميلة على وجه الأرض. الأرض هي الملاذ الآمن الذي تتجدد فيه روح الإنسان، حيث ترتبط قلوب الناس بأوطانهم برابط لا يمكن كسره. إنها علاقة عميقة تمتزج فيها مشاعر الحب والولاء، والفخر تجاه الأرض التي نشؤوا عليها.

عندما اخترت عنوانا لهذه المقالة "قلوبهم في أوطانهم"، فإنني عنيت بهذه العبارة عمق العلاقة بين الإنسان ووطنه، وخصوصا عند أولئك المنتشرين في اصقاع الأرض الحاملين في قلوبهم كل الحب لأرضهم، وفي عقل كل منهم الوفاء لأجداده، وفي ضميره كل الامتنان لربه، وفي يديه كل الخيرات لأهله، فالوطن بالنسبه له ليس مجرد مكان جغرافي يقيم فيه، بل هو الروح التي تجسدت في كل زاوية وشارع وجبل وشاطىء ونهر، وفي كل صباح فيروزي وفي كل مساء مؤمن يصلي على قرع اجراس الكنائس او آذان العشاء. إنه الحنين الذي يشعر به الإنسان عندما يبتعد عن أرضه، والفخر الذي يملأ قلبه عندما يعود إليها. إذا عندما نتحدث عن "قلوبهم في أوطانهم"، فإننا نشير إلى العلاقة الروحية والعاطفية التي تجمع بين الإنسان ووطنه وبالأخص المهاجرين منهم الذين ينتمون الى اوطانهم أكثر من المقيمين في اغلب الاحيان. هذا الانتماء الى الوطن يمثل جزءا أساسيا من الهوية الشخصية لكل فرد، حيث يجد فيه الثقة والرضى والحنين. الثقة بنفسه وبإنجازاته التي يجيرها دائما لوطنه، الرضى لما وصل اليه من تحقيق للذات التي تعكس صورة وطنه امام العالم اجمع والحنين الذي يربطه بأرضه رباط الأم بجنينها. هذه الأشياء الثلاثة التي يعكسها كل منتشر متعلق بأرضه تخلق عنده حبا للوطن لا مثيل له بل وأكثر تنسج روابط نفسية وروحية متينة تعمل دائما على دفع هذا المهاجر الى العودة الى مسقط رأسه.

تتجلى قوة الانتماء الى الوطن في سلوكيات الأفراد ومواقفهم تجاهه. فهم يعملون بجد واجتهاد لبناء وتطوير بلدهم، يحافظون على تراثه الثقافي ويعملون على نشر القيم المجتمعية الصحيحة في البلاد التي يقيمون فيها. وعندما يواجه الوطن تحديات، تنبثق من أعماق قلوب هذه الناس عزيمة قوية للدفاع عنه والحفاظ على سيادته واستقلاله. وبالتالي يحافظون على تراثهم وثقافتهم، ويدافعون عنه بكل قوة في وجه أي تحد يواجهونه. هذا ما حصل على مر السنين ويحصل بين اولاد هذا الوطن المنتشرين في العالم وبين وطنهم. إذ انهم لم يتوانوا لحظة عن دعم هذا الوطن ومساعدة شعبه في كل المجالات. نعم وكما نشرت سابقا مقالة بعنوان: " الانتشار ذهب لبنان الغالي" اعود لأؤكد على أن هؤلاء الأبطال اللبنانيين المنتشرين في العالم هم وجه لبنان الحقيقي، المضيء بالإنجازات في الميادين كافةً والمشع املا بالحياة. هم اصحاب العقول النقية والقلوب الوفية المتجذرة في ارضها مهما طال الزمان وبعدت المسافات. في الحقيقة هؤلاء هم من يستحق لقب مواطن بدرجة شرف.

لكل شخص من هؤلاء قصة مشرفة وفريدة تربطه بوطنه، قصة تحكي عن محبته العميقة وولائه الصادق لأرض اجداده، إنها قصة تروى بأجمل العبارات وأغنى المعاني، تحمل في طياتها رموز الصمود والتضحية من أجل الارض والأمانة. هذه الارض كلنا مؤتمنون عليها وسنسلمها بدورنا الى اولادنا وهم بدورهم سينقلون الأمانة الى اولادهم ومن ثم الى اولاد اولادهم لتتراكم فيها مواقف الفداء والتضحية والاعتزاز جيلا بعد جيل.

 هذه هي قصة ارضنا مع ابنائها، قصة ترويها الأجيال بكل فخر واعتزاز، تجعلنا نحن اليوم نستمد القوة والعزيمة للمضي قدمًا في طريق بناء وتطوير وطننا الحبيب.

فلنحافظ على هذا الحب الكبير لوطننا مقيمين ومنتشرين، ولنجعل قلوبنا ملاذا لهذا الحب العميق. إن قلوبنا في أوطاننا هي ما يحملنا دوما للأمام، بعزيمة وثقة بأننا نستطيع تحقيق الأفضل لبلدنا وشعبنا.

في نهاية المطاف، إذا كانت قلوبنا مترابطة بأوطاننا بالحب والولاء، فإننا نملك قوة لا تقهر لبناء مجتمعاتنا وتحقيق التقدم والازدهار. لذا دعونا نحافظ على هذه الروابط العميقة ونعيش بكل فخر واعتزاز في أوطاننا، حاملين شعلة الحب والأمل والتضحية دائما.

بيروت في ٢٢ تموز ٢٠٢٤

 

.

الأكثر قراءة

الضفة الغربيّة... إن انفجرت