اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


عكفت مصادر سياسية قريبة من السلطة في الأيام القليلة الماضية على تسريب معلومات تقول إن «لرئيس الشرع أوعز لبعض مرؤوسيه بضرورة بذل المزيد من الجهد في ملف العلويين»، وتضيف تلك التسريبات إن «الرئيس الشرع وجه أيضا بضرورة البدء في حوار مع ممثلي الطائفة، ووجهائها، للوصول إلى حلحلة العقد في العلاقة الشائكة بين الطائفة والسلطة»، والراجح هنا أن ثمة توجها حقيقيا لدى السلطة كان من الممكن تلمسه منذ حين، وهو يرمي لـ»جسر الهوة» ما بينها وبين العلويين بعيد أحداث آذار الدموية التي طالت هؤلاء على نطاق واسع، لكن المؤكد هو إن ذلك «التوجه» بات أكثر وضوحا بعد أحداث تموز الدامية في السويداء، فإن تضطرب «الأطراف» كلها، فذاك مؤشر أكيد على عطب في سياسات «المركز»، خصوصا إذا ما بقي نهج هذي الأخيرة عند شعارات من نوع «دمشق لنا إلى يوم القيامة»، ولا يكاد يخفى على أي من السوريين اليوم ما الذي يرمي إليه ذاك الشعار .

نشر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، يوم الجمعة الفائت، تقريرا جاء فيه إن «سلطات دمشق تواصلت مع المخاتير في المناطق ذات الغالبية العلوية بطرطوس، وطلبت منهم دعوة الأهالي إلى تسليم الأسلحة الحربية وأسلحة الصيد»، وأضاف التقرير «بالمقابل لم تسجل دعوات مشابهة في مناطق أخرى ذات غالبية طائفية مختلفة»، وفي اليوم ذاته، يوم الجمعة، استقبل العميد عبد العزيز الأحمد، قائد الأمن الداخلي بمحافظة اللاذقية، وفدا من مشايخ الطائفة العلوية، كان هو الأول من نوعه منذ اجتماع المزة، 26 كانون ثاني الفائت، الذي جرى في أعقاب انتشار مقطع مصور لحرق مقام الشيخ «حمدان الخصيبي» بحلب، والجدير ذكره في هذا السياق إن الخصيبي، المتوفي عام 358 للهجرة، هو من كبار علماء ومؤسسي المذهب العلوي، وعلى الرغم من التاريخ القديم لتصوير المقطع، والذي كان يعود إلى ما قبل شهر، إلا إن انتشاره تسبب بموجة احتجاج واسعة هي التي دفعت بالسلطات إلى محاولة احتواء الموقف عبر آلية اللقاء بمشايخ من الطائفة العلوية، وفي الغضون بدأت قناة «الإخبارية السورية»، وللمرة الأولى منذ انطلاقتها منذ أربعة أشهر بعد توقف دام لثلاثة، باستضافة شخصيات علوية ذات حيثية تقع ما بين معارضة النظام السابق، و»تفهم» السياسات التي ينتهجها النظام الحالي .

ذكر مصدر مقرب من شخصية علوية قريبة من السلطات في دمشق إن هذا التوجه الجديد جاء في سياق المحاولات الروسية الرامية لتحسين العلاقة ما بين السلطة وبين باقي المكونات، العلوية والدرزية والمسيحية، وأضاف المصدر عينه إن مطالب موسكو من الوفد السوري، الذي زارها أواخر شهر تموز المنصرم، كانت قد تمحورت حول اثنين، أولاهما «شرعنة» الوجود الروسي في سوريا عموما، وفي الساحل على وجه الخصوص، وثانيهما إعادة بعض ضباط الجيش السابق إلى الخدمة، خصوصا منهم ذوي العلاقة الجيدة مع موسكو، وأضاف المصدر أن موسكو ذكرت إن من شأن تلبية الطلب الأول أن يدفع بها إلى لعب دور إيجابي لصالح دمشق داخليا، وعلى المستوى الدولي أيضا، ومن شأن تلبية الطلب الثاني أن يخفف التوتر القائم بين السلطة وبين العلويين منذ سقوط نظام الأسد، والذي بلغ الذروة في أحداث آذار الدامية، ولربما احتوى ذلك على قدر لا بأس به من المصداقية، فالأحداث تنبئ عنها ظلالها كما يقال، لكن المؤكد هو أن قرار دمشق في التعاطي مع «الملف العلوي» لم يجئ باعتباره «واحدا»، أو هو كتلة واحدة، بل هي ذهبت باتجاه خيارات من الصعب لها أن تفضي إلى النتائج المرجوة منها، خصوصا أنها تلامس حواف بالغة الحساسية، ولن يكون سهلا الإمساك بـ»الدفة» وسط تقاذف الأمواج التي قد يستولدها الفعل .

أبدت الغالبية الساحقة من العلويين استنكارها الواسع حيال اللقاء آنف الذكر، حتى إن بعض صفحات النخب والناشطين اتهم الحضور العلوي بـ»بيع دماء العلويين التي لم تجف بعد»، فيما ذهب البعض إلى القول بإن «هؤلاء لا يمثلون أكثر من أنفسهم»، ليعلي البعض السقف إلى وجوب «مقاطعتهم في المحافل العامة والدينية»، وقد اضطر الشيخ ذو الفقار غزال والده ابن عم الشيخ غزال غزال رئيس المجلس الإسلامي العلوي، وهو ثالث أعضاء الوفد الذي ضم أيضا الشيخين راجي ناصر ومحمد رضا حاتم، لإصدار ما أسماه» توضيحا «كان قد نشره على صفحته بعد ساعات من انتشار صور» اللقاء»، وقال فيه «جلست مجلسا مطلبيا، لا مجلسا تجاريا، طرحت فيه هموما وحاجات حملني إياها كثير منكم، وألقيت الأمانة على عاتقي، وأسمعت من يسمع ويقرر»، أما «المجلس الإسلامي العلوي» فقد انتقد بشدة ذلك اللقاء على لسان منى غانم، المتحدثة باسمه، التي قالت «استفاقت حكومة الأمر الواقع متأخرة على أهمية ملف الأقليات، وربما أتت هذه الإستفاقة بعد زيارة الشيباني (وزير الخارجية أسعد الشيباني) إلى موسكو، أو ربما بعدما فعلته اسرائيل لمنعهم من إبادة الدروز»، والجدير ذكره في هذا السياق أن الشيخ ذو الفقار غزال هو الذي حظي بالكم الأكبر من الإستنكار لاعتبارات من بينها الثقل الديني الذي تحظى به عائلته، ولربما من بينها أيضا موقفه الرافض للإنضمام إلى «المجلس الإسلامي العلوي»، والذي برره بقوله «أنا لا أؤمن بالطائفية السياسية»، وأضاف إن «الظروف لا تسمح باستمرارية أي مجلس من هذا النمط الآن».

ثمة شبه كبير ما بين سلوكية السلطة في تعاطيها مع الدروز، التي تقوم على «تعويم» أفراد لا يحظون بثقل مجتمعي يمكنهم من لعب دور إيجابي، وبين نظيرتها في التعاطي مع العلويين، فالفعل إياه حاضر، وإن كان بشكل مختلف نوعا ما، فالوفد الثلاثي ضم مشايخ جميعهم ينتمون إلى «الطائفة الحيدرية»، إن صحت التسمية، ولتوضيح ذلك نقول أن المذهب العلوي كان قد شهد، العام 1011 هجرية، انشقاقا على خلفية معرفية، وأدى من حيث النتيجة إلى وجود طائفتين لا تتمايزان بالكثير هما «الكلازية» و»الحيدرية»، الأولى منهما، وهي الأوسع، أقرب لتبني «فلسفة العمل»، والثانية، الأقل انتشارا، أقرب لتبني «فلسفة التأمل»، لكن لا يمكن إغفال حقيقة أن نظام الأسد الأب، والإبن من بعده، كان قد عملا إبان حكمهما المديد، على إيجاد تمايزات بين الطائفتين لاعتبارات بعضها شخصي، وبعضها الآخر ذي علاقة بطبيعة نظاميهما، والأمر من حيث النتيجة قاد إلى شعور «الحيدريين» بنوع من التهميش، والراجح أن السلطة اليوم تلعب على وتر من هذا النوع، ولربما كانت هناك العديد من المؤشرات التي تدعم هكذا نوع من الفرضيات، مثل تعيين يعرب بدر، وهو علوي حيدري، بمنصب وزير النقل في الحكومة التي تلت حكومة تصريف الأعمال التي ترأسها محمد البشير منذ 10 كانون الأول الفائت حتى نهاية شهر آذار من هذا العام .

الراجح أن «سهاما» من هذا النوع لن تصيب سهامها، بل إنها قد تزيد الأمر تعقيدا فترمي بحمولاتها على ملف ليس بحاجة للمزيد من التعقيدات . 

الأكثر قراءة

زيارة حاسمة لبرّاك خلال ساعات الكباش حول «اليونيفل» بأوجه: القرار نهاية الاسبوع لا مواعيد جديدة لتسليم السلاح الفلسطيني