اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

منذ حوالى 8 سنوات تقريبا، كانت خدمة التوصيل أو "الدليفري" في لبنان محدودة، وتكاد تقتصر على المطاعم فقط، لكن بعد ازمة كورونا والأوضاع الاقتصادية الشديدة انتعش هذا المجال بشكل كبير، حتى أمسى قطاعا حيويا وتم تأسيس شركات متخصصة توفّر هذا النوع من الخدمات.

وبذلك أصبحت مهنة التوصيل، لا سيما عبر الدراجة النارية صنعة مهمة، وتشمل نقل البضائع من مكان إلى آخر، بما في ذلك توصيل الطعام، البقالة، المنتجات الصحية، وعادة ما يتم طلب الأغراض عبر الهاتف أو "الإنترنت".

ازدهار ملحوظ!

مما لا شك فيه، أن خدمات التوصيل صارت جزءا أساسيا من حياة الناس اليومية، حيث توفر لهم الراحة والسرعة في الحصول على السلع التي يحتاجون اليها. كما خفضت من معدلات البطالة، وفتحت باب التوظيف امام كافة شرائح المجتمع، سواء كعاملين بدوام كامل أو جزئي، لا سيما للعاطلين من العمل. وفي هذا الإطار علمت "الديار" ان مئات العسكريين يعملون في هذا المجال الى جانب بقائهم في الخدمة، بسبب تدني قيمة رواتبهم.

كيف وُلدت خدمة التوصيل؟ يجيب موظف في شركة توصيل معروفة في لبنان، واداري في قسم "دعم المتسوقين": ان "هذا الاختصاص بدأ كحل للمشكلات التي تواجه السيارات في المدن الكبرى، مثل الازدحام وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق. لكن مع مرور الوقت، أصبحت الدراجات النارية وسيلة شائعة لتوصيل الطلبيات، بسبب قدرتها على التنقل بسهولة وسرعة في الشوارع المكتظة والضيقة، وباشرت الشركات بتوظيف الدراجين لضمان تلبية احتياجات الزبائن في أسرع وقت ممكن".

التطبيقات تكتسح شبكات التواصل الإجتماعي!

وقال لـ "الديار": "مع تطور التكنولوجيا، بدأت الشركات تستخدم التطبيقات الذكية لإدارة طلبات التوصيل. مما أتاح للمشترين متابعة طلباتهم في الوقت المُعين ومعرفة ساعة استلامها بدقة. لذلك انتشرت "Applications" مثل "Totters" و"Zomato"، مما سهل على العملاء شراء الطعام من مجموعة واسعة من المطاعم، ودفع الفواتير مباشرة للدليفري عند الاستلام والتسليم. كما تستعمل المؤسسات الحديثة تقنيات البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي، لتحسين طرق ومسالك التوصيل، وبالتالي تقليل مدة الانتظار".

وهنا لا بد من الإشارة، الى ان البدل الذي يتقاضاه "دليفري" بعض الحوانيت الإلكترونية يفوق في أحيان كثيرة اجرة التاكسي، اذ ان كلفة "توصيلة" داخل بيروت تبلغ حوالي 3 دولارات وقد تكون أكثر. بينما تتراوح اجرة السرفيس وفقا للتسعيرة التي حددها وزير الاشغال علي حمية مؤخرا بين الـ 150 و200 ألف ليرة لبنانية.

"فورة" وانتعاش

وكشف عن "ان معدل طلبيات الدليفري كان قبل سنتين لا يتعدى الـ 100 يومياً، الا ان هذه النسبة تضاعفت لتصل إلى ما بين الـ 200 و250 طلبية في اليوم الواحد، ويزداد الضغط في أوقات نهاية الأسبوع والعطل والاعياد".

لماذا ارتفعت اجرة هذه الخدمة، بعدما كانت تُقَدم بشكل شبه مجاني؟ يجيب "السبب متصل بتزايد نفقات التوصيل، مثل المحروقات وصيانة الدراجة وغيرها من الأمور، الى جانب ان المطاعم تتكبد أكلافا إضافية، مثل الورق والكرتون واكياس النيلون ".

وفي هذا السياق، أوضح الخبير في مواقع الاعلام الرقمي جورج سمعان لـ "الديار" ان "هذه التطبيقات فرضت مصداقيتها، وأصبحت المرجع الوحيد لدى المواطنين، الى جانب ضغط العمل الذي تشهده والخدمات التي تقدمها، بحيث أن نسبة المستخدمين لهذه التطبيقات تصل إلى 60%". لافتا إلى "أهمية دور مواقع التواصل الاجتماعي كـ Facebook و Instagram وTik Tok وحتى WhatsApp لزيادة الدخول واستعمال هذه المنصات".

اضاف: "في زمن الـ online business، باتت هذه المسألة تسهل عملية الشراء، وتوفّر على المتبضعين جهداً ووقتاً كبيرين، وأصبح العميل يطلب الكثير من المستلزمات عبر المواقع والمحلات الالكترونية المختصة، مثل الملابس والأحذية والمساحيق التجميلية وحتى الادوية". واكد "ان عشرات المؤسسات التي لا تقدّم خدمة التوصيل إلى المنازل، بسبب طبيعة المؤسسة ونوع المنتجات التي تبيعها تفكر جديا بإعادة اعتمادها، لان عليها أن تواكب متطلبات العصر للحفاظ على ثباتها وديمومتها".

وتابع "لقد أضحت خدمات التوصيل جزءا من الاقتصاد الرقمي، مما يعزز النمو الاقتصادي ويسهم في زيادة الابتكار في مجال الخدمات اللوجستية. وانطلاقا من كل ما تقدم، يمكن القول إن خدمة "الدليفري" تطورت من مجرد وسيلة بسيطة لنقل البضائع، إلى قطاع حيوي ومعقد يعتمد على التكنولوجيا لتلبية احتياجات المستهلكين المتزايدة والمتنوعة".

وختم محذرا "من استغلال خدمة التوصيل في أمور غير قانونية، نظرا لوجود مئات الشبان الأجانب الذين لا يحملون أوراقا ثبوتية أو شرعية او رخصة لمزاولة هذا العمل في لبنان"، مؤكدا "ان نسبة كبيرة من العمال السوريين يعملون في هذا القطاع بدون تسجيل أو ضمان اجتماعي، حيث يصبح من الصعب تتبعهم ومراقبة نشاطاتهم. لذلك يجب تعزيز الرقابة والتفتيش وفرض عقوبات صارمة على الأعمال غير القانونية المتعلقة بخدمات التوصيل، بما في ذلك الغرامات على الشركات التي تتساهل في هذه القضايا".

النساء في ميدان التوصيل!

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الظروف الاقتصادية الصعبة في لبنان دافعاً للكثير من الأشخاص، بما في ذلك النساء، وبالتالي الانخراط في وظائف غير تقليدية مثل خدمة التوصيل. اذ ان هذا التوجه يعكس التحديات النقدية والاجتماعية التي يواجهها اللبنانيون، وأيضاً التحولات في دور المرأة في المجتمع والعمل.

وفي هذا المجال، قالت ماري وهي سيدة لبنانية في العقد الرابع من عمرها لـ "الديار": ان "الوضع المادي الصعب الذي ضرب لبنان في السنوات الأخيرة، جعل من الصعب ان أجد وظيفة تقليدية تحقق لي دخلا ثابتا. وبمرور الوقت، ومع تضاؤل الفرص المتاحة، قررت البحث عن وظائف بديلة، وانتهى بي الأمر بالانضمام إلى فريق من الدراجين العاملين في خدمة توصيل الطعام".

وختمت: "لقد واجهت بعض التحيزات والتعليقات السلبية من المجتمع، الذي لا يزال يرى بعض المهن غير مناسبة للنساء، وبالرغم من العوائق التي صادفتني تمكنت من اكتساب احترام الزملاء الذكور في وظيفة كانت تقليديا يهيمن عليها الرجال. مع العلم انني لا اتقاضى راتبا شهريا ثابتا، وانما اتقاضى مبلغا معينا مقابل كل طلبية، وبالرغم من ذلك انا سعيدة لأني أجني اموالي بعرق الجبين".

في الخلاصة، نجد ان اغلبية الشركات باتت تستخدم بشكل متزايد خدمة التوصيل كجزء أساسي من نموذج أعمالها، لتلبية الطلب المتصاعد على الراحة والسرعة من قبل العملاء، وهذا الجانب يعكس تغيرات في نمط حياة المستهلكين وتطور التكنولوجيا.

الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين