اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


وحيث للقول بإعطاء الاذن في الملاحقة او رفضه،  لا بد من بالعودة الى معطيات الملف الراهن من اجل تقدير الواقعات الثابتة فيه والتمعن في مدى جديتها، لمعرفة فيما اذا كانت الافعال المدعى بها في الشكوى امام  النيابة العامة الاستئنافية في بيروت مرتبطة بالمهنة وما اذا كانت تشكل ظاهريا جرما جزائيا يقتضي ملاحقة المستأنف عليه بسببها.

وحيث يعتبر الفعل ناشئا عن ممارسة مهنة  المحاماة او بمعرضها عندما يتعلق الامر بأي عمل يقوم به المحامي اثناء دفاعه او  تحضيرا له او ناتجا منه، او بإعطائه رأيا قانونيا في مسألة محددة.

وحيث ان كانت مهنة المحاماة تساهم في تنفيذ الخدمة العامة وتحقيق رسالة العدالة، وفقا للمواد /1/و/2/ من قانون تنظيم مهنة المحاماة، إلا ان ذلك يجب ان يتم ضمن نظاق القوانين والانظمة، بحيث يتعين على المحامي، ولو كان يتولى الى جانب ملفاته الخاصة والفردية نشاطات اجتماعية او سياسية يهدف من خلالها الى حماية فئات معينة او الدفاع عن حقوق محددة، ان يسلك توصلا الى ذلك، الاطر التي وضعها له القانون بصفته محاميا، فيضع خبرته في المجالين القانوني والقضائي في خدمة القضايا العامة والمجتمعية التي تهمه متابعتها، وذلك من خلال تقديم الطلبات او الدعاوى او الشكاوى او الاخبارات بالطرق المناسبة وامام المراجع المختصة، اوابداء الرأي القانوني بشكل علني وبعد الالتزام بموجبات مبادئ مهنته وآدابها، وعبر ارشاد اصحاب الحقوق والمظلومين لناحية كيفية الاستحصال على حقوقهما او استرجاعها.

وحيث انه تبعا لذلك، فإن المحامي يتميز بذلك عن سائر المواطنين او الناشطين او الصحافيين، ويختلف عن مطلق معارض او محتج، بخلفيته القانونية وخبرته القضائية والادوات التي يحوزها، والتي يفترض عليه استخدامها وحدها في عملية المطالبة او الاحتجاج او المساءلة او الملاحقة.

وحيث انه اذا قرر المحامي عدم استعمال تلك الادوات او المعلومات وعمد الخروج عن تلك الاطر، وهو امر مشروع ومفهوم كون المحامي بالنتيجة مواطنا وفردا من افراد المجتمع يتأثر بما يحيطه ويكون قناعاته وآراءه الشخصية، فإنه لا يعد في هذا السياق محاميا يمارس مهنته بل يعتبر مواطنا عاديا له حقوق ومطالب، ويخضع للموجبات والاحكام التي يخضع لها اي مواطن.

وحيث انه لم يتبين مما جرى عرضه في الملف الراهن، ان المستأنف عليه كان قد قدم شكوى او اخبارا ضد الحزب السوري القومي الاجتماعي ردا على ما اعتبره تجاوزات وارتكابات خلال المهرجان المنظم من قبله، كما لم يظهر انه كان في سياق التحضير لاي عمل ذي طابع قانوني او قضائي، وبالتالي فإن نشره المقال المشكو منه على احدى الصفحات الالكترونية، بصرف النظر عن مدى احقيته، وبغض النظر عن مدى قانونية مضمونة وصحة المعلومات والآراء الواردة فيه ودقتها، وما اذا كانت تشكل افعالا يعاقب عليها القانون ام لا. وهي امور يعود للمرجع الجزائي بحثه الى جانب مسألة مرور الزمن على الجرم المزعوم ومدى صحة تمثيل الحزب الشاكي فإن كتابة المقال على الشكل المذكور، لا يتسم بالطابع المهني ولا يرتبط ببمارسة مهنة المحاماة وليس بمعرضها، ذلك ان فعله لا يندرج ضمن اعمال المرافعة والمدافعة ولم يتم بمعرض منازعة مع الغير او بنتيجتها او تحسبا لها، او ابداء رأي قانوني بمسألة محددة، بل ان فعله لهذه الجهة لا يتعدى كونه عملا مدنيا بحتا قام به بصفته مواطنا كسائر المواطنين، الامر الذي يغني عن ضرورة إعطاء الاذن لملاحقته.

وحيث انه على فرض ان مضمون فعل المستأنف يعتبر بمعرض ممارسة مهنة المحاماة (وهو الامر الذي نفته المحكمة فيما تقدم) فانه بالنظر لما تضمنه من وقائع وصفات وافعال يمكن ان تعتبر ذماً بمن تعنيه هذه الافعال وقدحا به، وهي تلقي ظلالاً من الشك والغموض الذي يوجب تدخل القضاء المختص لازالة هذا الغموض والالتباس حول مضمون ما تضمنته المقالة المنشورة من المستأنف موضوع هذا القرار، الامر الذي يقتضي معه إعطاء الاذن في ملاحقته لكشف الالتباس وازالة الغموض المشار اليه.

وحيث ان إعطاء الاذن في الملاحقة الجزائية لا يشكل ادانة للمحامي، بل سبيلا كي يتمكن المرجع الجزائي المختص من سماع المحامي واجراء التحقيقات اللازمة توصلا الى معرفة الحقيقة ولإزالة الغموض الذي يكتنف الوقائع موضوع النزاع.

وحيث وبعد الاطلاع على القرار المستأنف، وما ورد فيه من إدلاءات، وعلى معطيات النزاع كافة، ترى المحكمة ان القرار باعتبار الافعال المنسوبة الى المستأنف بمعرض ممارسة المهنة وحجب الاذن، جاء في غير موضعه السليم، الامر الذي يجب معه قبول الاستئناف اساسا وفسخ القرار المستأنف والتقرير مجددا بإعطاء الاذن في ملاحقة المستأنف عليه المحامي.

وحيث بنتيجة الحل المساق، تغدو سائر الاسباب او المطالب الزائدة او المخالفة مستوجبة الرد إما لكونها لاقت ردا ضمنيا او لعدم تأثيرها بالنزاع.

لذلك،

تقرر بالاجماع:

1-    قبول الاستئناف المقدم من النيابة العامة الاستئنافية في بيروت شكلا للاسباب المبينة اعلاه.

2-    رد طلب التدخل وطلب الادخال.

3-    قبول الاستئناف اساسا، وفسخ القرار المستأنف والتقرير مجددل بإعطاء الاذن في ملاحقة المستأنف عليه المحامي نديم بموضوع الشكوى المبينة في هذا القرار.

4-    رد ما زاد او خالف بما في ذلك طلب اخراج لوائح طالب التدخل.

5-    تضمين المستأنف عليه الرسوم والمصاريف كافة.

قراراً صدر وافهم علناً في بيروت بتاريخ 4/7/2024.

الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين