اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


هذه أيام للدخول في عمق الأشياء، وللدخول في عمق الأزمات. لعلنا نحاول بعد تلك السلسلة من الصدمات، أن نسأل أين نحن الآن؟ ومن نحن الآن؟ كلبنانيين بالشتات السياسي والطائفي وبالركام الاقتصادي والمالي، وكعرب بالحجارة الضائعة على رقعة الشطرنج. كيف لنا أن نخوض الحروب المصيرية اذا كنا عراة الى هذا الحد، بؤساء الى هذا الحد ؟

حتى اذا تمكن المقاومون الفلسطينيون بالأداء الأسطوري، أن يواجهوا لسنوات الأرمادا "الاسرائيلية"، أين هي الحالة الفلسطينية (غير الاتفاق الفولكلوري في بكين)؟ وأين هي الحالة العربية (غير طربوش أحمد أبي الغيط) التي تفرض على "الاسرائيليين"، وحتى ديبلوماسياً، حق الفلسطينيين بالحياة؟ فقط... بالحياة!

"اسرائيل" في أزمة القوة العمياء. أميركا في أزمة القوة العمياء. العالم يتغيّر، ولكن ليس بالايقاع الذي يجعلنا نراهن على اليوم التالي، وهو اليوم المستحيل، حتى بالنسبة الى "الاسرائيليين" الذين، مثلنا في حالة من التيه السياسي والتيه العسكري. ولكن تحت المعطف "اليهودي" الذي يمسك بالكثير من مفاتيح القوة في العالم. العرب بالكاد يمسكون بمفاتيح منازلهم.

لا كلام عن التوازن الاستراتيجي دون الحديث عن التوازن التكنولوجي. نحن أمام دولة صنعت مئات الرؤوس النووية، وتصدّر سنوياً الأسلحة المتطورة بمليارات الدولارات. هل من دولة عربية يوجد على أرضها مفاعل نووي، ولو لأغراض مدنية؟ وهل من دولة عربية صنعت دبابة، أو حتى دراجة هوائية؟

حتى مصر، شقيقتنا الكبرى، بامكاناتها البشرية والتاريخية، تغرق في أزمات الخبز والماء، دون أن تستطيع أن تقف في وجه الغطرسة الأثيوبية في التحكم بمياه النيل، ودون أن تتجرأ على أداء دورها الجيوسياسي والجيوستراتيجي في ليبيا وفي السودان، وحتى دورها الانساني في غزة التي تنزف حتى الموت. هل هذه دولة اخناتون، ودولة الظاهر بيبرس، ودولة محمد علي باشا، ودولة جمال عبد الناصر؟

كل الجثث التي تكدست تحت الأنقاض في القطاع، لا بد أن تذهب هباء، اذا لم تهبّ الضفة الغربية، واذا بقي العرب يتأرجحون بين غيبوبة الغيب وغيبوبة شهرزاد.

لا نتصور أننا بحاجة الى دليل اضافي بأن أميركا هي "اسرائيل الكبرى"، وبأن "اسرائيل" هي أميركا الصغرى. ماذا كان باستطاعة بنيامين نتنياهو أن يفعل لولا القاذفات الأميركية والقنابل الأميركية، والأهم المظلة الأميركية؟

ولا نتصور أننا بحاجة الى دليل اضافي بكون أميركا أقفلت في وجوهنا كل أبواب القرن. دمرت سوريا بعدما وصفتها "الفايننشال تايمز" بـ"نمر غرب آسيا"، واحتوت مصر لتبقى رهينة أكياس الطحين، وغزت العراق كي لا يظهر ذلك البوخذنصر الآخر الذي يدمر الهيكل. رجاء، لا تنسوا وصف برنارد لويس لنا بـ"البراميل البشرية التي تحمي براميل النفط".

كل ما حدث في غزة لم يقفل أبواب ألف ليلة وليلة، ولو لليلة واحدة. وحين استطاعت المقاومة في لبنان اجتثاث الأقدام الهمجية من أرضنا، قال سفير عربي في واشنطن، وهو معروف بعلاقاته الوثيقة بأصحاب القرار، لوزيرة الخارجية آنذاك مادلين أولبرايت "نحذركم منذ الآن، بأن حسن نصرالله خطر عليكم، وخطر علينا"...

ألم تحاول ادارة جورج دبليو بوش، بأوركسترا "الحاخامات"، ازالة المقاومة في لبنان من الوجود. ما كانت النتيجة؟ هل تتجرأ "اسرائيل" أن تخطو خطوة واحدة في جنوب لبنان؟ دائماً... استراتيجية قطّاع الطرق.

ماذا قال السيّد عصر أمس؟ رأسكَ يا نتنياهو. بعدها حتماً رأس "اسرائيل"، خلاصة الكلام. الكلمة المقتضبة، وكانت مزيجاً من الحزن والغضب، من أهم الكلمات التي أطلقها، وبلهجة هادئة الأمين العام لحزب الله.

لا لغة غوغائية، كما اللغة "الاسرائيلية"، وهي اللغة التوراتية التي تتقيأ الدم. لغة الغضب، ولغة العقل، ولغة الحكمة، ولغة الشجاعة، في وجه مَن لم يظهروا يوماً، أنهم يمتون بصلة الى الكائنات البشرية، والى الحس البشري.

الرد سيكون حتمياً. "لا نقاش في ذلك، ولا جدل". نتوقع، بل نؤكد، أن الرد سيكون جماعياً ومتزامناً، على أن يكون القرار للميدان الذي يلمّ بالظروف ويصنع الظروف. وعلى أولئك الذئاب، ذئاب أورشليم، أن يتلمسوا رؤوسهم.

الأكثر قراءة

نصر الله: رأسكَ يا نتنياهو