اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


فصلٌ من سِفْر الغربة

ما كانتِ الغربةُ، يوماً، لتظهرَ مُعَبّرًا عنها، فقط، في هذي الانفعالات التي تنتابنا لدى انتقالنا، اضطرارًا أو اختيارًا، من مكانٍ اعتدناه فألفناه الى مكانٍ اَخر. وندر أن ينجو من هذي المعاناة من شاءت له الظروف أن يبدِّل، غيرَ مرّةٍ، مكان سكناه. فالناس، على الاجمال، يكادون لا يقيمون في مكان غير الذي الفوه حتّى يقوم فيهم شعور، لا بغربة او بوحدة وحسب، بل شعور بما هو من الوحشة والضياع. وقد يتضاعف لدى الكثيرين مثلُ هذا الشعور، لا لأنّ المكان غريبٌ عليهم، ولا لأنّ احدا من أهل ودّهم لا يشاركهم الاقامة في الحيّ او المحلّة او الشارع. قد يتضاعف مثل هذا الشعور حتّى ولو كان المعانون منه محاطين بالناس هارجين هازجين، أو نائحين عابسين او عابثين لامُبالين.

وفي مختلف الاحوال، يبقى الشعور بالغربة، كما بغيرها من فصول القهر ومتاعب الدهر، مراتبَ ودرجات على أصنافٍ والوان. فمن غربةٍ عن الوطن والاهل، هي قاسية في كلّ حينٍ وحال، الى شعور بالغربة داخل الوطن هو اقسى وأدعى الى الأسى، الى ما هو أشدّ ايلاماً، الى الشعور بالغربة عن الزمن الذي نحن فيه عابرون.

وبين رجاء يلوح من هنا، وخيبة تخفي ملامح الرجاء من هناك، تراك، اذا كنت انت العابر أو سواك، لاهثًا من عناء الطريق الطويل ومن ضنى التجارب المرير. تراك، وأنت من عبور الى اَخر، مُثقلًا بظلال من قلقٍ، من شجنٍ، ومن عصفِ حنينٍ الى وطنٍ لطالما سكن مُرتجاك. ومع بلوغك من العمر حدودَ المقلب الأخر وتيقّنك، بعد جردة الحساب، من أنّ الذي كان مرتجاك، هنا أو هناك، لم يعد بعيدَ المنال وحسب، بل أصبح أقرب الى الخيال، الى المحال.

ولأنّ الغربة، أيّاً كان اختبارها، قاسيَةٌ وفي القاسي دروس لا تُنسى، لا تغيب ها أنت ذا لا يغيب عنك أنّ الغربة ولو بلغت في الشدّة منتهاها فالنهاية الى اليأس،ولو فكرةً عابرة، هي أمرّ وأشدّ. وعليه، فمحكومٌ على من تذخّر بتعاليم المنقذ من الضلال أن يحمل أمله / حلمه الى ابعد من حدود زمنه، الى يوم القيامة. حينها، كلٌّ يبقى بما أبقى. كلّنا باقٍ ما دام، بيننا، من يعملون للحياة بجهادٍ هو في الهُويّة علامة فارقة، وبهتافٍ هدفٍ يدوّي بـ "بالبقاء للأمّة".

الأكثر قراءة

بعد كارثة غولاني... تل ابيب و194 مستوطنة في الملاجىء لغز «الشبح» يحير اسرائيل... ونتانياهو يهدد بيروت و«اليونيفيل» «ضوء اخضر» اميركي وتحذيرات من الهدوء الخادع في الضاحية