اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

Etre et Fragilite كما يعطش الانسان طبيعيا للشرب، وكما يجوع للخبز، كذلك هو يعطش الى الله. فليس بالماء وحده ولا بالخبز وحده يحيا الانسان، او الـ Anthropos بل في قعر كيانه ظمأ ديني ميتافزيقي، وعطش روحي لا يهدئه الا بالله الكائن المطلق L’etre Unique. الم يقل القديس اغوسطينوس، وهو الذي عاش اختبار البعد عن الله واختبار شهوات الجسد، ثم صرخ قائلا: «لقد خلقت قلبنا لك يا الله ولا يزال قلقاً حتى يرتاح فيك».

هذا القلق الوجودي الكياني Exislenticille ينبع من عمق الكائن البشري، الطامح للتأله وعدم الفناء والزوال، لان الموت يطحن الوجود البشري ويضع عليه بلاطة الزوال والفناء «كان هنا»، والمرض يسحق ايامه. فعندما قال سارتر Sarters «انا لست اتعزى على كوني لست الهاً» Je ne me consolerai jamais de ne pas etre dieu ، لانه اختبر الزوال الرابض في كيانه، في دمه ولحمه وعظامه.

العشق الالهي يكوي قلب المتصوفين والنساك والحبساء، والمتصومعين في الجبال والوديان والصحاري، حيث يعيشون في الوحدة مع الوحيد المطلق الازلي، انهم ليسوا في العزلة. فالمعزول كائن مغلق على نفسه وعلى ذاته، بل هم في الوحدة. فالوحيد كائن يملأ حضور الآخر الغائب الحبيب قلبهم ووجودهم، انه الحضور الالهي المشعل بالحب قلب الناسك او الحبيس.

الا يقول المزمور: «كما يشتاق الايل الى مجاري المياه هكذا تشتاق نفسي اليك يا الله». الا يقول طاغور «لقد حسن في عينيك فخلقتني لا نهاية لجمالي، اسكب سوف تفنى الايام ويبقى في يدي فراغ».

الكائن البشري هو كائن القلق والغربة، يهدده المرض والموت وجرح المعطوبية العميق، وفي قلبه حنين الى المطلق وتوق حراق للشفاء، والخروج من صحراء الغربة والكآبة والخوف والقلق والهلع.

الله وحده هو الجواب على هذا التمزق والضياع والخوف من المرض والموت والفناء والزوال.

العشق الالهي هو الجواب الوحيد لتهدئة الظمأ الكياني الى الحضور الالهي، والبقاء في الله لقهر الموت والمرض والفناء والزوال. هذا هو الرجاء الشافي لهذا القلق ولهذه الغربة والكآبة.

الانسان ليس متروكاً La Derilication في وحشة شواطىء الوجود، حيث الموج يمحو كل اثر يتركه الانسان.

هذا الانسان الغارق بالغثيان الوجودي، لانه محكوم عليه كسيزيف Sysif انه يدفع صخرة على تلة من الرمال ، او ان يملأ سلالاً من الهواء وهو مأخوذ بشبق شهوة الجسد وشهوة المال وشهوة السلطة ومجدها، كما يقول القديس يوحنا. هذا السعي الى الكمال والجمال هو الطريق الوحيد لتهدئة اشواقه وعطشه وظمئه الديني والروحي.

وكما يقول تولستوي «لن ينقذ العالم الا الجمال»، لان الجمال ظل من ظلال الجمال الالهي اللامتناهي. فلا يعود هناك هذا الجرح الوجودي الكياني النابع من ضربة حربة المعطوبية الكائنة في الذات، كالزجاج المشعور في ادميتنا الترابية او الدلغانية، فيخرج الانسان من ذاته، من نرجيسيته Narcisme وانانيته، ليلتقي بالآخر L’autre الذي هو وحده الطريق الى الله، والخروج من ذاته وعدمية الغاء الآخر، التي هي عدمية وموت للذات.

لن نخرج من هذا الانحلال الا بالحب الذي يملأ اغترابنا بالسكينة وعدم الاستشهاء ولذة الموت كما يقول Hegel . وارتواء الظمأ المتيافزيقي Metaphisique والعطش الى لقاء الله الذي خلقنا له ولاجل حبه، ونشفى من معطوبيتنا ونهائيتنا، فنعود الى نقاء مشهديتنا ومهدويتنا، ويفنى دنسنا وتلوثنا الكياني بالخطيئة والشر، وشعورنا بالمذنوبية كما يقول Paul Ricoeur.

البروفسور الاب يوسف مونس

الأكثر قراءة

من الكهوف الى الملاهي الليلية