اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



Dioginus يبحث عن الانسان الانساني، أي الانسان "الآدمي"  صاحب الأخلاق والقيم والشرف.  Dioginus جالس عاريا في ساحة المدينة، وقد أضاء مشعله وسراجه والشمس شارقة، وعندما سأله الناس لماذا هذا في وضح النهار، وعماذا تبحث ؟ أجاب قائلاً "أنا أبحث عن الإنسان anthropos"  . هذا هو الموضوع الاساسي الفلسفي والوجدي والانتروبولوجي والانساني: معنى الانسان.

نحن اليوم أضعنا معنى الانسان، أضعنا أيضا مفهوم الانسان وفقدناه، وأصبحت جميع الأشياء تأتي قبله، العقيدة قبل الانسان، والقيم الاساسية ضاعت، السياسة قبل الانسان، المؤسسة قبل انسان، السيارة قبل الانسان، المال قبل الانسان، الطائفة قبل الانسان، القبيلة والعشيرة والرَبع والجماعة قبل الانسان، الحزب قبل الانسان.

أعيدوا للانسان معناه الحقيقي، أعطوه معنى الشرف والكرامة والأخلاق. من هنا كانت أهمية تيار الشخصانية المسيحية Le personnalisme chretien   الذي قاده أيمانويل مونييه والعديد من المفكرين الآخرين، وكتب عنه في لبنان الاب حنا مارون مغامس والأب يوحنا سعادة، وقد كتب عنه في أبهى اختباراته في جامعة ستراسبورغ، حيث كنت أحضر الدكتوراه، المفكر Maurice de Nedoncelle   في كتابه تبادل الوجدانات La reciprocite de consciences   في الحب والاحترام وقبول الغير.

دخلنا اليوم عصر فقد قيمة الانسان، وصارت الخرافات تعتري عقول الناس الجهلة، والعائشين في الخوف والرعب، والمتهافتين على الجنس والمال قبل الموت. من هنا كانت أهمية كتاب الفيلسوف الكبير بول ريكور  culpabilité et   finitude   نهائية ومذنوبية ترقب الخلاص، والخروج من ظلمة كهف الانانية والنرجيسية.

أعيدوا الانسان الى انسانيته، الى شخصانيته وفراضته، لنعيد له تروحن الحضارة والثقافة والمجتمع والسياسة والاقتصاد والتربية ، وأنسنة سائر السلوكيات الاجتماعية والانماط الانسانية، ولنوقف عبادة الزعماء والاستزلام والزحف، والظلامية الفكرية المحيطة بعقولنا وقلوبنا ووعينا، ولنوقف السرقة والنهب والكذب والتزوير، وليخلصنا الله من "عمى القلب" "وضيق الصدر والعقل"  ، والاندهاش والانبهار والاستماع لخرافات الجهل الخطابي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والانساني.

الانسان كائن "واقف منتصب".  الحيوان كائن "منبطح"  يدبّ على الأرض. فلنعد الانسان الى عظمته التي اعطاها اياها الله، حين جبله بيديه وخلقه ونفخ فيه روحه، ولنوقف في مجتمعنا عبودية الآخرين واحراق الانسان، وإعطاءه الكرامة التي خلقه الله بها، فلا نخجل بإنسانيتنا وبشريتنا ونعطي له كرامته وشرفه وعظمته.

ما زال مشعل diogene  مضاء في جميع ساحات العالم وشوارعها، باحثا عن انسانيتنا المحروقة والمدمرة تحت القذائف والقنابل والصواريخ، وجنازير الدبابات، والاحقاد والكراهية والغيرة والانانية والنرجيسية، وعبادة الافراد والزعماء، والسرقة والنهب والتزوير.

أعدنا اللهم الى إنسانيتنا التي صرت إنسانا من أجلها، وأعطنا أن نعيش القداسة التي هي المشعل الحقيقي لحياتنا ولمجتمعنا .

الأكثر قراءة

كيف أبعد تيمور و"المملكة" جنبلاط الأب عن بري وميقاتي!