اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

شكلت عملية طوفان الاقصى منعطفاً بالصراع العربي الإسرائيلي، إذ إنه للمرة الأولى تقوم المقاومة الفلسطينية بشن هجوم داخل الأراضي المحتلة ضد العدو الإسرائيلي والذي كلَّفه غالياً وشكَّل محوراً كبيراً على الصعيد الإقليمي والدولي والعربي.

يأتي هذا الهجوم أيضاً في ظل تحولات سياسية على الصعيد العربي وبخاصة في ما يحاك لهذه المنطقة من تدمير والغاء للقضية الفلسطينية وتطبيع للعلاقات العربية الإسرائيلية بعد اتفاقيات أبراهام ومشاريع التطبيع واخرها كان المملكة العربية السعودية، أتى هذا الهجوم ليضرب كل هذه التحولات الخطرة في مستقبل المنطقة وما يعد لها من عمليات تدميرية مستقبلية.

هذه المؤامرات والتحولات كان يراد من خلالها تقسيم المنطقة عمودياً بعدما تم استبعاد مصر في اتفاقية كامب دايفيد والأردن في اتفاقية وادي عربة واتفاقية أوسلو عام 1993 مع السلطة الفلسطينية، إضافة إلى عمليات التطبيع بعد ان تم تدمير العراق و سوريا وليبيا واليمن وربما سيأتي دور مصر والسعودية، فإن هذا الانقسام العمودي أصبح وبكل وضوح أساسه أميركي أوروبي صهيوني مع دول التطبيع العربية والإسلامية من اجل ضرب القضية الفلسطينية لإنهائها وضرب المقاومة في لبنان واي مقاومة في المنطقة العربية والإسلامية في سبيل حماية مصالح اميركا و حماية الكيان الصهيوني، هذا ما قاله وزير خارجية قطر الأسبق حمد بن جاسم آل ثاني عندما قال في مقابلة صحفية انهم رصدوا 2000 مليار دولار لتدمير كل الدول التي لا تريد التطبيع كالعراق وسوريا، وحُيدت مصر فتقاتلنا من أجل الجيفة الميتة التي هي سوريا وأدخلوا 80 دولة وعشرات الميليشيات المتطرفة لتدمير سوريا التي كانت بوابة المقاومة ضد إسرائيل في الشرق الأوسط.

هذا هو التمهيد للمؤامرة الذي بدأ عندما عام 2000 عندما اجتمعت كونداليزا رايس في القاهرة بستة وزراء عرب مطبعين لتقول لهم إن العدو هو إيران وليست إسرائيل، هذا السبب كان المسوغ القانوني لأميركا والحركة الصهيونية وكذلك المسوغ السياسي أيضا، للقول للدول العربية ان الخطر الأولي لكم هو الخطر الشيعي والتمدد الإيراني، وبالتالي عليكم التطبيع مع إسرائيل وإنهاء القضية الفلسطينية.

لقد مهدت الولايات المتحدة الأميركية لهذا المشروع من خلال قتل حكام السنّة النافذين بالمنطقة كصدام حسين في العراق وتمكين الشيعة فيه، ومن ثم قتل رفيق الحريري في لبنان حيث حرك بقتله النزاعات المذهبية السنية الشيعية لأول مرة في لبنان سيَّما مع بزوغ فجر شاكر العبسي في الحقبة نفسها، التي خاض الجيش اللبناني معركة نهر البارد معه، ومن ثم تبعه احمد الاسير في صيدا بوابة الجنوب ذي الهيمنة الشيعية، كل هذا المشهد أثَّر سلباً في سمعة المقاومة في لبنان والمنطقة العربية سيما في الوسط الإسلامي انطلاقا من معارك 7 ايار 2008 التي صورت سلاح المقاومة (الشيعية) قد سُلِّط على أهل عاصمة لبنان بيروت (السنة) فأسقطت الشعوب العربية صورة السيد نصرالله التي كانت قد رفعتها بعد تحرير الجنوب، وعادت عقارب الساعة الى الخلف في المنطقة العربية والهدف حماية إسرائيل.

وعلى الرغم من كل هذه المؤامرات وكل هذه الخطط والمشاريع لتقسيم المنطقة وإضعافها وقد حصل ذلك بشكل جدي إلَّا أن إسرائيل لم تطبع مع الشعوب العربية وحتى الجيوش العربية إنما التطبيع كان مع الأنظمة والحكام، ولم تحقق أي نصرعسكري بعد هجوم حماس في 7 تشرين واسنادها من قبل المقاومات في لبنان والعراق واليمن، وما يؤكده معظم الخبراء أنه لا نصر عسكري لإسرائيل بعد ما يقارب العام على العملية ولن يدخل الجيش الإسرائيلي الجنوب اللبناني وبالتالي هزيمة إسرائيل هي حتمية لولا وجود الأميركي، ولكي نتكلم بعقلانية اكثر نقول إن هزيمة إسرائيل مرتبطة بالانهيار الأميركي ولكن هذا الأمر بعيد المدى لذلك فان الدعم الأميركي والغربي لإسرائيل سيحافظ على هذا الكيان وسيزداد شراسة، وقد برهنت حرب غزة أن الأميركي والغرب سيدوسان على كل القيم وحقوق الإنسان ومبادئ الديموقراطية في سبيل دعم إسرائيل والحفاظ على أمنها. 

سؤالٌ يُطرح: لماذا الجهاد الأفغانستاني عام 1979 كان جهاداً مشروعاً في نظر الأميركيين والغرب عندما كان ضد السوفيات والمد الشيوعي في افغانستان والمنطقة، والان جهاد حماس يعتبر ارهابياً وهي تدافع عن ارضها و شعبها؟ إنه الكيل بمكيالين ومعيارين أميركيين في القضايا العربية والفلسطينية خاصة، المؤسف بالموضوع هو ان الأميركي ما زال المهيمن على العالم ولا يوجد قوى اخرى تواجه هذه الهيمنة، فالروسي متفرغ بحربه مع أوكرانيا والصين يتم إحتواؤها فلا توجد تعددية في حكم العالم كي تقف أميركا عند حدود معينة.

لكن من حسنات الحرب في غزة أن العقيدة الإسرائيلية القائمة على الردع السريع فشلت فشلاً ذريعاً في الحفاظ على الثقة الإسرائيلية بالجيش والأمن القومي.

السيناريوهات المطروحة لهذه المرحلة هي عديدة ولكن من الممكن ان تختصر بثلاثة سيناريوهات، السيناريو الأول هو ان نتنياهو يريد الحفاظ على معبر فيلاديلفيا لمنع حماس ان تتلقى دعم عسكري من اي جهة في معبر رفح ولخنق حماس والشعب الفلسطيني في غزة وتصفية القضية الفلسطينية عبر انهاء مقاومتها وبالتالي نحن نتحدث هنا عن استسلام عسكري لحماس بوجه إسرائيل والتسليم لها، هذا السيناريو مستبعد كل البعد بسبب العقيدة الحمساوية اولاً وتأييد شعبها لها وكذلك ان بقاء حماس مرهون بقرار أمن قومي إيراني الذي يبقي إيران في قيادة حقيقية للصراع مع إسرائيل.

أمَّا السيناريو الثاني فهو الحديث عن قوة عربية او متعددة الجنسيات او قوة تركية او مصرية تدخل غزة وهذا مشهد غير متبلور حتى الآن.

السيناريو الثالث كما قال محمود عباس انه وحكومته سيزورغزة ويتسلم السلطة بالتنسيق مع القبائل والعشائر الغزاوية، وكل هذه الآفاق غير واضحة حتى الآن.

إلَّا أن بعد المظاهرات التي حصلت طوال الشهرين الأخيرين أصبح مصير نتنياهو على كف عفريت وبدأت تنضج فكرة التخلص منه، ليس فقط في إسرائيل إنما ايضاً في أميركا والغرب للخلاص من مواقفه الفجة وغير المرنة في هذه الأزمة بالتحديد.

أما ما يتعلق بلبنان فإن الأمور واضحة بعدما تم التجديد لليونفيل في جنوب لبنان وهذا أمر يريح لبنان والمنطقة نسبياً بما يعني أنَّ ستاتيكو الواقع المفروض منذ عام 2006 مع تحديث 2023 أي مناوشات غير مستقرة بين لبنان وإسرائيل، على غرار الحالة بينهما بعد انسحاب 1985 من شرق صيدا نحو الشريط الحدودي ، إلّا أنه بفارق حدود ملاصقة دون فاصل منطقة حزام امني بل بحدود مباشرة مع المستوطنات وهذا تطور استراتيجي اذا ما قيس بستاتيكو التسعينيات. 

الأكثر قراءة

حزب الله يُحذر من الخروقات «الإسرائيليّة»: للصبر حدود الجولاني مُستقبلا جنبلاط: سنكون سنداً للبنان