اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

 

إن المواجهة بين الحقد المتدفق من العصبيات المذهبية والطائفية التي فسحت المجال واسعا لارتكاب فعل الخيانة والتعامل علنا مع العدو والقومية الاجتماعية بدأت حين كتب سعادة جملته الأولى وهي مستمرة بمعارك متعددة الوجوه والأشكال، بالسر والعلن ، بالكلمة والجملة والمقالة والخطاب وكل أساليب الصراع ، فلا هدنة بين الطائفيين والمذهبيين وأصحاب العقائد الدخيلة على بلادنا والتي تجعلنا رعايا للدول والأمم القوية ، والفلسفة السورية القومية الاجتماعية .

لا هدنة بين الحقد المتدفق كطوفان المياه الآسنة والقومية الاجتماعية المتدفقة من عقول المؤمنين وقلوبهم ومشاعرهم ، فالمواجهة قائمة بينهما قبل أن يصرح أنطون سعادة أنه يريد سلامة رؤوسهم وهم يصرحون في كل مناسبة انهم يريدون تكسير رأسه حتى انتصار القومية الاجتماعية الآتي مهما طال الزمن .

لم تعد الخيانة مسألة فردية يمارسها أفراد بالسر ويخافون انكشاف أمرهم، بل أصبحت فعلا ترتكبه الجماعات والأحزاب والتنظيمات والدول والشعوب .

ففعل الخيانة المرتكب من قبل الأحزاب التي تطالب بموقف الحياد من حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني هو أخطر بكثير من خيانة الأفراد ، وفعل الخيانة المرتكب من قبل الجماعات التي تساوي بين العدو والشعب الفلسطيني وتعترف بحق اليهود في العيش بسلام على أرض فلسطين هو أخطر من العملاء الذين يخترقون صفوف قوى المقاومة على أنواعها، أما خيانة الدول التي تؤدي دور الوسيط بين العدو وأصحاب الأرض، أصحاب الحق والتي تميل أكثر الأحيان الى العدو كي تميل كفته في ميزان معركة الوجود المصيرية فهي كمن ينتظر وصول النعوش كي يدفن الشهداء ، أما خيانة الشعوب الساكتة عن خيانة الدول والأنظمة والتي ما زالت الكمامات تغطي أفواههم ، والمصابون بضعف النظر والبصر والبصيرة، فلا تفعل فيهم صور المجازر ولا أصوات الأطفال والنساء الذين يطلبون نجدة من ذوي القربى والذين صح القول بهم أنهم صم بكم عمي، هذه الشعوب ترتكب أعلى درجات الخيانة لأنها بإدراك أو دون إدراك تساهم في حمل النعوش الى المقابر أورميها مكشوفة في العراء دون ان يرتجف ضميرها ولو لحظة وهي لا تدري ان من يحمل اليوم بالنعش سينقل غدا الى جبانة بلاده دون نعش دون مشيعين ودون مأتم، لقد تخدّرت هذه الشعوب وهي تعيش في خيم من باطون مزودة بكل أنواع المخدرات النفسية والمالية والثقافية .

لم تعد المعلومة تشكل فعل خيانة خطرا جدا ، هو فعل خطر حقا ولكن ما ذكرناه من أفعال الخيانة أخطر بكثير، فمواجهة خيانة الافراد تقوم على عقاب فردي قد يكون بالسجن المؤيد او الإعدام ، ولم يكن مرة بالعفو العام كما حصل في لبنان بعد خروج العدو من جنوب لبنان، ومواجهة هذه الأفعال الخيانية لا تكون بالمحاكم وبالقضاء بل تكون بمواجهة فكرية ثقافية قومية بامتياز، ولا يمكن مواجهة هذا الخطر بالفعل المضاد او الفعل المعاكس لثقافتهم، وأفكارهم لا تواجه بالطائفية بل بالمخرج النظري الذي تحدث عنه أنطون سعادة ، المخرج النظري الذي هو القومية الاجتماعية .

ان مواجهة من يدعو الى التناقض والتمايز لا تكون بارتكاب الفعل نفسه، ولا بردة الفعل التي تؤجج هذا التناقض وهذا التمايز بل بالقومية الاجتماعية التي تدعو الى التفاعل وليس الى "الشراكة" لأن الشراكة تقبل التناقض والتمايز وتقبل التقسيم والتجزئة ونظام الفيدرالية ، الذي يسعى اليه فريق من اللبنانيين عبر إقرار نظام استقلال المناطق في المسائل المالية والثقافية والتربية والمسائل الوطنية .

القومية الاجتماعية هي نقيض نظام "الشراكة" ونقيض نظام الكيانات ، وتقوم على المواطنة، على الانتماء الى الوطن والأمة وليس الى الطوائف وأنظمة الكيانات والكانتونات .

لا يمكن التفاعل بين المفاهيم القومية الاجتماعية ومفاهيم العادات والتقاليد القديمة الرجعية المكتسبة من تمازج غير طبيعي بين فئات الشعب بفعل مؤثرات خارجية كانت غايتها السير بأمتنا نحو الانحطاط ، فالقومية الاجتماعية هي فعل فلسفي وثقافي غايته انتاج عادات وتقاليد جديدة تتناقض مع تقاليد الطوائف والمذاهب والعشائر والعائلات التي تحمل مضامين التفرقة والتجزئة ونشوب الحروب الأهلية وحزبها حزب القضية القومية هو في صراع مع جميع فئات الشعب المحافظة على تقاليد قديمة ورجعية .

لأن القومية الاجتماعية دعوة الى التفاعل لا يمكن لها ان تعيش حالة الانعزال ، لذلك هي منخرطة في كل فئات الشعب على قاعدة انها نظرة جديدة الى الحياة والكون والفن وليس على قاعدة التأثير المتبادل، لأن القومية الاجتماعية فلسفة قائمة بذاتها وليست نتاج تأثيرات لفلسفات غربية او محلية، هذا لا يعني ابدا ان أنطون سعادة لم يقرأ المذاهب الفلسفية القديمة والحديثة لكنه يعني أن أنطون سعادة كتب فلسفة جديدة لا تقبل أي تأثير من الأفكار والثقافات المتداولة حتى اللحظة لأنها حاصل ما توصلت اليه العلوم الإنسانية والطبيعية حتى يومنا ، لذلك فشلت كل محاولات تطويرها وتحديثها بعد استشهاد سعادة . قد ينشأ تحالف بين أبناء العقيدة القومية الاجتماعية وأبناء عقائد أخرى ولكن يكون ظرفيا   مرحليا فرضته وقائع معينة غايته تحقيق مصالح قومية لا أن يكون على قاعدة التبعية ولا على قاعدة الخضوع لمفاهيم غير قومية اجتماعية .

لا يواجه طوفان الخيانة إلا بطوفان النظرة القومية الاجتماعية الى الحياة والكون والفن .