اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يعتبر البعض أنّ مشروع دولة لبنان الكبير (1920-1926) قد انتهى في ظلّ ما تشهده هذه الدولة اليوم من نزاعات وانقسامات وشغور رئاسي ما يؤدّي الى مطالبة هذا البعض بتطبيق الفيديرالية أو التقسيم على أساس طائفي..  في حين يجد البعض الآخر أنّ هذا المشروع ليس محطّة تاريخية من عمر الوطن فحسب، بل هو مسألة جوهرية لتأسيس الدولة تطال جغرافيتها. ولهذا فمن غير الممكن أن تنتهي هذه الدولة في ظلّ وجود مَن يُدافع عن حدودها المعترف بها دولياً في الداخل والخارج. فقد نشأت دولة لبنان الكبير في 1 أيلول 1920 عندما أعلنها الجنرال الفرنسي هنري غورو بعد إعادة ترسيم الحدود بين البلاد التي كانت خاضعة للحكم العثماني، ومن بينها سوريا ومتصرّفية جبل لبنان، معلناً بيروت عاصمة لها. وتمثّل علم الدولة في دمج عَلَمي فرنسا ولبنان معاً. ووُصفت الدولة الجديدة باسم لبنان الكبير، على أساس جرى إضافة البقاع وبعض القرى في عكّار الى المنطقة التي عُرفت تاريخياً بمتصرفية جبل لبنان الذاتية الحكم والتابعة للأمبراطورية العثمانية.

يقول السفير بسّام النعماني لجريدة "الديار" بأنّ الفرنسيين كانوا يودّون إنشاء "دولة لبنان الصغير" لا يشمل جبل عامل إلى الجنوب من نهر الليطاني، غير أنّ إصرار البطريرك يوسف الحويك آنذاك على توسيع متصرّفية جبل لبنان، هو الذي أدّى في نهاية الأمر الى قبولهم بما اقترحه من حدود لدولة لبنان الكبير. وتقدّم الحويّك بخريطة الى مؤتمر السلام في باريس استندت الى خريطة الأركان الفرنسية في العام 1860. وهذه الخريطة موجودة في متحف بكركي، وقد نشرها العديد من المؤرّخين اللبنانيين. فالحويّك كان يُطالب بأن تمتد الحدود الجنوبية من رأس الناقورة الى بحيرة الحولة. ولهذا كانت مزارع شبعا وبانياس تقعان ضمن مطالبه لحدود دولة لبنان الكبير.

ولا بدّ أن يكون للدولة أسس تقوم على أساسها، ولهذا لا بدّ من التفريق بين الكيان والحدود والنظام. فالكيان هو ما ورد في المادة الأولى من الدستور بأن لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسیادة تامة.... والحدود هي ما استكملته هذه المادة بأن حدوده هي التي تحده حالياً. والنظام هو ما تطرقت إليه المادة الرابعة بأن "لبنان جمهورية". 

أمّا بعد الإستقلال في 22 تشرين الثاني 1943، فلم يُسمح للبنان، بترسيم حدوده بموجب النظام القانوني الدولي الذي يُحظّر على الدول المستقلّة حديثاً من تعديل أو ترسيم حدودها. فلماذا جرى رسم الحدود بهذه الطريقة؟ ما يعطينا الحجج لمقارعة ضغوط الدول الكبرى والضغط عليها من أجل تطبيق القانون الدولي والمعايير القانونية في ترسيم الحدود. كذلك لا بدّ من معرفة أنّ الخرائط،  ليست المقياس الوحيد لتحديد حدود الدولة. فهذه الأخيرة يجري تعديلها وتزويرها أو التغيير فيها عبر فترات تاريخية مختلفة. في الوقت نفسه، إنّ أي تحديد للحدود يحتاج الى موافقة ثنائية أو دولية، لا يستطيع أي طرف إعلان حدوده من طرف واحد، إلّا عن طريق القوة.

وثمّة مجموعة خرائط لحدود دولة لبنان الكبير على ما أوضح، لا بدّ من دراستها واستنتاج ما يُمكن منها:

1-خريطة العام 1862، وهي خريطة الأركان التأسيسية للكيان اللبناني. وثمّة من قال أخيراً بأنّ هذه الخريطة تُبشّر بانتهاء لبنان الكبير المسيحي بخلفيته التاريخية. استندت هذه الخريطة الى حدود الإمارة الشهابية. ومع أنّها لم تحدد بوضوح الحدود الشمالية والجنوبية، إلا أن الحدود الشرقية ضمّت وادي العسل أي مزارع شبعا. وهذه الخريطة موجودة ومعلقة نظراً لأهميتها في المصيلح وفي المختارة. وعندما أصدر الجنرال غورو قرارات إنشاء دولة لبنان الكبير، ضمّ الخريطة مع ترسيم للحدود في هذه الخريطة بالذات. أمّا في مؤتمر الحوار بين عامي 2005-2006 فقد أبرزها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، وعلى ضوئها اتخذ القرار بأن المقاومة تستمر إلى حين تحرير مزارع شبعا.

2- خريطة سايكس- بيكو وضعت الحولة، وصفد، ومزارع شبعا في لبنان.

3- خريطة البطريرك الحويك في العام 1919 تضع الحولة ومزارع شبعا في دولة لبنان الكبير.

4- خريطة غورو في العام 1920، التي جرى فيها التخلّي عن الحولة ولكن مع إبقاء بانياس ومزارع شبعا في دولة لبنان الكبير.

5- الإتفاقية الحدودية بين لبنان وفلسطين في 23 كانون الأول 1920 وقضية القرى السبع. لكن خريطة هذه الإتفاقية مفقودة.

6- خريطة بوليه- نيوكومب في العام 1923 قامت بتثبيت الحدود اللبنانية من رأس الناقورة إلى جسر الغجر. أمّا القسم ما بين جسر الغجر وجبل الشيخ، فلا يزال يحتاج إلى الترسيم والتحديد، أي إعطاء الصبغة القانونية والاعتراف الدولي بها.

7- مزارع شبعا، التي لا تزال إحتجاجات الأهالي على ترسيمها قائمة، والتي تقدموا بها أولاً لسلطة الإنتداب الفرنسية، ثم لحكومة الاستقلال في الأربعينات، وحتى يومنا هذا. وتوجد خريطة عقارية جرى فيها تعديل الحدود في العام 1947 بموافقة لبنان وسوريا. ولدى تحضير الملف اللبناني في العام 2000، والملف الجديد في 2006، قُدّمت هذه الخريطة العقارية مع مستندات أخرى إلى الأمم المتحدة.

8- الغجر موضوع شائك منذ الأربعينيات، إلا أن 80 في المئة من الخرائط، بما فيها الإسرائيلية، كانت تضع الغجر داخل الأراضي اللبنانية. والتمدد إلى داخل الأراضي اللبنانية شمالاً كان في فترة الستينات بسبب أنهم كانوا يعتبرون أنهم ما زالوا داخل لبنان. وإلا، فلماذا لم يتمددوا شرقاً وجنوباً داخل ما كان يعتبر الأراضي السورية؟ وبعد أن احتل الإسرائيليون الغجر عام 1967، قاموا بتعديل خرائطهم وأصبحت الغجر "فجأة" داخل ما يمكن إعتباره أراضٍ سورية محتلة.

9- التحفظات اللبنانية على النقاط الـ 13، تُظهرها خرائط عدّة.

من هنا، يُمكن الإستنتاج، على ما ختم النعماني، أنّ الخط الفاصل بين حدود دولتين ممكن أن يتغيّر، أو أن يتمّ تعديله وفقاً لإتفاقية معيّنة، غير أنّ الدولة لا يُمكن أن تنتهي بشحطة قلم، أو بمجرد التلاعب بالخرائط من جانب واحد من دون إتفاقيات دولية.

الأكثر قراءة

بعد كارثة غولاني... تل ابيب و194 مستوطنة في الملاجىء لغز «الشبح» يحير اسرائيل... ونتانياهو يهدد بيروت و«اليونيفيل» «ضوء اخضر» اميركي وتحذيرات من الهدوء الخادع في الضاحية