اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



تُعدّ الصحة النفسية للنازحين، بخاصة الأطفال، من الجوانب الأكثر حساسية خلال النزاعات المسلحة والنزوح الجماعي. في ظل مشاهد القتل والدمار، تتعرض هذه الفئة لضغوط نفسية هائلة، تترك آثاراً عميقة في حياتهم ومستقبلهم.

في العديد من الحالات، تُرغم العائلات على المغادرة بشكل فجائي، وتفارق منازلها وأمانها، ليجدوا أنفسهم في ظروف قاسية وغير مستقرة في مراكز الإيواء أو في الشوارع، كما حدث مؤخرا مع عشرات آلاف الاسر النازحة من الجنوب والضاحية والبقاع. ينعكس هذا الأمر بشكل كبير على صحتهم النفسية، حيث يصابون بالخوف والقلق، والصدمات النفسية التي قد تستمر معهم لسنوات طويلة.

مساعدات أوروبية إنسانية بقيمة 10 ملايين يورو

في سياق متصل، أعلنت المفوضية الأوروبية عن تخصيص مساعدات إنسانية إضافية بقيمة 10 ملايين يورو، للسكان في لبنان المتأثرين بتفاقم الأعمال العدائية بين حزب الله

و "إسرائيل".

يهدف التمويل الطارئ إلى تلبية الحاجات الأكثر إلحاحاً على غرار الحماية والمساعدات الغذائية والمأوى والرعاية الصحية. ويبقى الاتحاد الأوروبي على أهبة الاستعداد لتقديم المزيد من الدعم، من خلال حشد جميع أدوات الاستجابة للطوارئ المتاحة، بما في ذلك استخدام آلية الحماية المدنية. ومع هذه المساهمة، يكون الاتحاد الأوروبي قد قدم في عام 2024 مساعدات إنسانية بقيمة 74 مليون يورو لمساعدة الفئات الضعيفة في لبنان.

اللوازم النسائية ليست كماليات!

ويقول اختصاصي، عضو في نقابة الاختصاصيين النفسانيين والاجتماعيين في لبنان لـ "الديار": "تواجه النساء والفتيات اثناء النزوح تحديات نفسية وجسدية، تختلف عن تلك التي يواجهها الذكور، وتتطلب انتباهاً خاصاً لتلبية احتياجاتهن. ومن بين هذه الاختبارات، فترة الدورة الشهرية، حيث تحتاج الفتيات إلى مستلزمات أساسية مثل الفوط الصحية، إلى جانب ضرورة توفير بيئة تراعي النظافة الشخصية، لضمان عدم الإصابة بالعدوى".

ويضيف "عدم توافر هذه المتطلبات أو قلة العناية بالنظافة الشخصية، يمكن أن تؤدي إلى مشكلات صحية جسيمة، مثل الالتهابات أو العدوى، مما يزيد من الضغوط النفسية والجسدية التي تتكبدها الفتيات في ظل النزوح. لذلك، من المهم تأمين منتجات التعقيم بشكل دائم ومنتظم، إلى جانب توعية الفتيات بأهمية الحفاظ على التطهير في ظل الظروف الصعبة".

ويؤكد انه "ينبغي تسليط الضوء على ضرورة ايجاد أماكن مأمونة، تتيح للفتيات التعامل مع الدورة الشهرية بخصوصية وكرامة، دون الشعور بالخجل أو الإحراج. ويستلزم ذلك إدراج هذه المقتضيات في خطط الاستجابة الإنسانية الفردية والحكومية، لضمان حصول الفتيات والنساء على الدعم الذي يحافظ على صحتهن الجسدية والنفسية خلال هذه الأوضاع القاسية".

ويذكر الاختصاصي الأمور الأساسية التي يجب التركيز عليها وتشمل:

1- التعرف الى الصدمات النفسية مبكراً: يُظهر الصغار غالباً علامات القلق والخوف من خلال سلوكياتهم. لذا يجب أن يتم تدريب الأهل والعاملين في مراكز الإيواء على التعرف الى هذه الاشارات، وتقديم الدعم الفوري.

2- توفير مساحات آمنة: ينبغي تخصيص أماكن للأطفال للعب بحرية، وهو وسيلة طبيعية لهم للتعبير عن مشاعرهم والتعافي من الصدمات.

3- الدعم النفسي الجماعي والفردي: من الضروري انشاء برامج دعم نفسي، سواء من خلال جلسات فردية أو جماعية، لمؤازرة الأطفال على التعامل مع مخاوفهم ومعالجة صدماتهم.

4- تعزيز الروتين والاستقرار: يحتاج الأطفال إلى الشعور بالاستقرار، حتى في ظروف النزوح. لذلك، يمكن توفير أنشطة يومية مثل التعليم والرسم والرياضة وغيرها، لإعادتهم إلى نوع من الحياة الطبيعية.

5- التعليم والوعي النفسي: تثقيف الأهل حول أسلوب التعاطي مع أطفالهم في ظل هذه الظروف الصعبة، وكيف يمكنهم دعمهم نفسياً ومعنوياً.

شهادات موجعة من داخل مراكز الايواء

في جولة على بعض مدارس ومراكز الإيواء في بيروت، استمعت "الديار" إلى معاناة فتيات وشابات مراهقات، في أماكن تفتقر إلى أبسط مقومات العيش الكريم.

تصف بتول فتاة في الـ 16 من عمرها تجربتها المؤلمة قائلة: "نعيش في مدرسة مكتظة مع عائلات أخرى، وليس هناك مكان آمن مخصص للفتيات، فضلا عن ان الفراش غير مؤمن، وأصبح النوم على الأرض شيئاً اعتيادياً. أخاف أحياناً حتى من الذهاب إلى الحمام، لأن المرافق غير نظيفة وبعيدة عن غرفتنا، أشعر كأنني أسيرة في مكان لا يمنحني شعور الأمان".

زينب أم لـ 5 أطفال، تعبر عن هلعها الدائم على سلامة بناتها، شارحة لـ "الديار" هواجسها: "المراكز غير آمنة، نقطن مع الغرباء ولا خصوصية لنا، وأخشى على بناتي من التحرش في كل لحظة. نحاول البقاء معاً، لكن هذا يزيد من توترنا جميعاً، وكأننا نعيش في حالة من القلق المستمر".

ويشكو أبو عباس، رجل مسن في السبعينيات بحزن قائلا: "يفتقر المكان الموجودون فيه حاليا الى المرافق الصحية الضرورية، والمياه نادرة وغير نظيفة، وأحس بالضعف وعدم القدرة على الاعتناء بنفسي أو مساعدة الآخرين. يتضاعف الألم الذي أعانيه من النزوح بسبب قلة الرعاية، وكأنني عبء على مَن حولي".

بينما يعبر الأطفال عن مشاعر الخوف والقلق في ظل هذه الحالة الصعبة، يقول علي، طفل في العاشرة من عمره: "ننام على الأرض، ولا يوجد مكان للعب، أخاف في الليل من الأصوات الغريبة، ولا أستطيع ان أغمض عيوني من شدة الرهاب. أريد العودة إلى بيتي حيث كان لدي سرير وحقيبة مدرسية، لان كل شيء هنا غير مألوف ومرعب".

تكشف هذه الشهادات عن جوانب مؤلمة من حياة النازحين في مراكز الإيواء، حيث يصبح البقاء على قيد الحياة تحدياً يومياً، في ظل نقص المرافق الصحية، والفراش المناسب، والحماية. تعد هذه الظروف سبباً في زيادة اوجاعهم النفسية والجسدية. من هنا، يُعتبر النزوح من أخطر التحديات التي تواجه الفئات الهشة في المجتمع، بما في ذلك الأطفال والفتيات والنساء والشيوخ، حيث يتعرضون لضغوط هائلة جراء انعدام الاستقرار والشعور بالأمان، مما يُضعف معنوياتهم.

الوجع النفسي اشد ايلاما من الجسدي!

تؤكد الاختصاصية النفسانية فرح لـ "الديار" أن "الأطفال يقاسون من اضطرابات نفسية نتيجة لفقدان منازلهم وأحبائهم، وغالباً ما يشعرون بالخوف وعدم الأمان. كما يؤدي التهجير إلى انقطاع التعليم، مما يزيد من التوتر والقلق لديهم، في حين قد يتعرضون لمشكلات صحية بسبب الظروف المعيشية الصعبة. فضلاً عن أن الفتيات يواجهن أيضاً تحديات نفسية كبيرة، حيث ان وجودهن في بيئات مختلطة وغير آمنة، قد يعرضهن لخطر التحرش والاستغلال، وقد يعانين من ضغوط اجتماعية تؤثر في دراستهن ومستقبلهن".

وتضيف "تتحمل النساء أعباء زائدة في رعاية الأسرة تحت ظروف قاهرة، ما يزيد من الضغوط النفسية عليهن، إلى جانب إمكان تعرضهن للعنف. وقد تتدهور الحالة الصحية لكبار السن، نتيجة نقص الرعاية الصحية وصعوبة التكيف مع بيئة جديدة، مما قد يفاقم من شعورهم بالعزلة والوحدة".

وتتابع "أمام هذه الصعوبات النفسية الكبيرة، تبرز الحاجة إلى توفير حلول متكاملة تساعد هذه الفئات على التكيف والتخفيف من آثار النزوح. لذا، يمكن تقديم دعم نفسي متخصص للأطفال، مثل العلاج باللعب الذي يساعدهم على التعبير عن مشاعرهم، بالإضافة إلى خلق بيئة آمنة ومستقرة لهم".

وتشير إلى أنه "بالنسبة للفتيات، فمن الضروري اعداد برامج توعوية لوقايتهن من المخاطر المحتملة، وتقديم دعم نفسي يمكنهن من مجابهة العقبات الاجتماعية. يجب أيضاً توفير مساحات آمنة لهن تعزز شعورهن بالأمان وتقلل من الضغوط النفسية. علاوة على ذلك، تحتاج النساء إلى دعم نفسي شامل يعينهن على التأقلم ، مع دورهن في رعاية الأسرة تحت الظروف الجديدة. كما يمكن ابتكار مجموعات دعم تتيح لهن بناء شبكة تضامن تخفف من شعورهن بالعزلة، وتعزز احساسهن بالسيطرة على اوضاعهن".

وتشدد على ان "كبار السن يحتاجون إلى دعم نفسي متواصل من اجل التكيف مع التغيرات الكبيرة في حياتهم، عن طريق توفير الرعاية الاجتماعية المتكاملة والدمج في الأنشطة اليومية. كما يجب الاهتمام بتقديم الخدمات الطبية المناسبة بالتوازي مع الدعم النفسي، لتحسين حالتهم العامة".

وتختم قائلة: "الدعم النفسي للفئات الهشة هو خطوة أساسية لمساندتهم في تجاوز آثار النزوح، من خلال توفير برامج متكاملة تأخذ في الاعتبار الاحتياجات الخاصة بكل فئة".

الأكثر قراءة

الخطة الاسرائيلية: 15 كيلومتراً عن دمشق القنبلة الكردية القنبلة النووية في الشرق الأوسط ادلسون لشراء «قصر الشعب» وتحويله الى سفارة لـ«اسرائيل»...