اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

اذاّ، الانتقال التلقائي من جنون القوة الى جنون العظمة، من «حرب السيوف الحديدية» الى «حرب القيامة»، كلام الأباطرة أم كلام الآلهة؟ لمرات استعدنا وصف برنارد لويس للشرق الأوسط بـ"العربة العتيقة التي تجرها آلهة مجنونة». الوصف ينطبق على الكرة الأرضية حين نقرأ للباحث المستقبلي الأميركي آلفن توفلر «التكنولوجيا لا بد أن تجعل منا كائنات مجنونة لأزمنة مجنونة».

الآن التكنولوجيا المجنونة والايديولوجيا المجنونة لتغيير الشرق الأوسط. ادوار سعيد لاحظ «أن مشكلتنا قد تكون في التشكيل السريالي للاوعي اليهودي»، لنتوقف عند قول سيغمند فرويد «لو لم أكن يهودياً لما بحثت في اللاوعي». قد نكون بحاجة الى الحفر في رأس اليهودي لألف عام، دون أن نعرف كيف يعمل هذا الرأس. لعلها مشكلة الله أيضاً ،لكنه الوقت الذي يفترض فيه الاحاطة بالجوانب الفلسفية والتاريخية والسيكولوجية، لتلك الشخصية التي يرى فيها «الحاخامات»... ما فوق البشرية!

لا نفاجأ بالآراء الغربية التي تعتبر أن صعود اليمين الديني «الاسرائيلي»، الصعود الصاعق (تماماً على غرار صعود النازية)، يعود الى قيام نظام ديني مقفل ومتشدد في ايران، بعسكرة الدين وعسكرة الايديولوجيا، ويهدد علناً بازالة الدولة العبرية من الوجود. يحدث ذلك مع الرغبة العاصفة لدى آيات الله لتطوير برنامجهم النووي، لا  لتغطية احتياجات البلاد باحتياطيات النفط والغاز الهائلة من الطاقة كما تقول الاراء. الهدف «أن يقف آية الله خامنئي وبيده القنبلة ليقول «هذه هدية هبطت للتو من السماء»، تبعاً لبرنارد ـ هنري ليفي.

لكن اليمين بزعامة مناحيم بيغن وصل الى السلطة عام 1977، بعد 29 عاماً من حكم اليسار، وقبل عامين من الثورة الاسلامية في ايران. كما أن بيغن تخلى عن شبه جزيرة سيناء، مع كونها «ارضاً توراتية نزلت فيها وصايا الرب على موسى»، بناء على نصيحة هنري كيسنجر الذي كان يرى أن اخراج مصر من حلبة الصراع، يفتح كل أبواب المنطقة أمام «اسرائيل»، ليكتشف روبرت ساتلوف، الباحث الأميركي، أن كيسنجر «ربما كان يعاني من خلل في الرؤية بالتغاضي عن القنابل الفلسطينية في ظهر اسرائيل».

نتنياهو يريد حتماً أن يرى دباباته في بيروت وفي دمشق وفي بغداد، بعدما كان آرييل شارون غداة فضيحة الدفرسوار في حرب 1973، قد قال «لو شئت لكان جنودنا يتجولون الآن في خان الخليلي». آفي شلايم، المؤرخ «الاسرائيلي»، تحدث عن «الآلهة المجنحة»، الآلهة الوثنية التي تستوطن رؤوس ذئاب اليمين. 

سفير لبنان في لندن رامي مرتضى قال لي «أنت تتحدث عن الهوة التكنولوجية بين العالم العربي وأميركا، وهي هوة ميتولوجية. لو تدري أي هوة تكنولوجية بين ضفتي الأطلسي». ألهذا اختارت القارة العجوز الأخذ بنصيحة جان ـ جاك سيرفان ـ شرايبر، في كتابه «التحدي الأميركي»، أن تكون القهرمانة الأميركية؟ في ضوء ما قاله توفلر، هل حولت التكنولوجيا «اسرائيل» الى دولة مجنونة؟ 

المقاومة في لبنان تواجه ببطولة اسطورية، بالرغم من كل تلك الضربات على الرأس وعلى القلب. اغتيال السيد لم يكن ولن يكون بالحدث العادي، ولا بد أن تكون له تداعياته على كل المستويات، لنكون أمام اسئلة كثيرة وقلقة، اذا أخذنا بالاعتبار مدى الفوضى السياسية والفوضى الطوائفية في البلاد. «اسرائيل» أعلنت «حرب القيامة»، لتضع لبنان ولتضع المنطقة على طريق الجلجلة، وحيث الخشبة لا القيامة. ولكن ألم يقل ايهود باراك لبنيامين نتياهو «لا تذهب بنا الى جهنم»؟ 

حتى وأن بدأت الأفاعي تطل من جحورها، ولطالما تمنينا لو تبقى المقاومة بعيدة عن تلك الاوليغارشيا الرثة بل والعفنة، نسأل أي رئيس للبنان ؟ بعدما وضعت على الطاولة اسماء تشبه الكؤوس الفارغة (أو الأكياس الفارغة)، في حين أن البلاد تحتاج الى رئيس فاعل ونزيه، وله تجربته الناجحة في ادارة المؤسسة (أليس هذه مواصفات العماد جوزف عون؟)، دون أن تكون هناك أي مشكلة في أن يكون على علاقة جيدة، لا علاقة التابع مع أميركا (وما أدراك ما هي أميركا بالنسبة الى المنطقة والى العالم!) ومع السعودية (وما أدراك ما السعودية بالنسبة الى لبنان والمنطقة !). في الوقت نفسه مع طهران وموسكو وبكين، ومع كل بلدان العالم، ما دام يدرك ما مصلحة لبنان وسط هذا الاعصار. 

باختصار رئيس للدولة لا بوّاب للمغارة...

الأكثر قراءة

هدفه... رأس لبنان