اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

لم يكن الكاتب والسياسي الانكليزي ديزموند ستيوارت يكرهنا أو يزدرينا. هو من عشاق الشرق الأوسط، الذي تناول تاريخ المنطقة برزانة الباحث، لا بذهنية من لا يرى فيها سوى ضوضاء ألف ليلة وليلة، أو سوى قوافل الابل (وقوافل البشر) التائهة في الصحارى، صدمناه حين انتهى الى تلك الحال التي يٍسأل فيها «ماذا لو كانت «اسرائيل» على حدود تركيا أو ايران، أو حتى على حدود أثيوبيا ؟ حتماً لما قامت أو لما بقيت...

في حديث له منذ نحو عقدين، استغرب كيف استقر بنا الحال، كورثة لتراث فذ، في قعر القرن، ليعيد جزءاً من المسؤولية الى ذلك الفريق من الفقهاء، بالثقافة الضحلة وبالرؤية الضحلة لله وللانسان، وقد حولوا الاسلام من ديانة قامت على قوة العقل وعلى قوة القلب، الى ظاهرة ماورائية (بالكامل)، وتدعو الى الاقامة على تخوم الغيب، أو بانتظار الغيب في المساجد والزوايا، لا في المختبرات ولا في المصانع، وحيث اعادة تشكيل الحياة.

هكذا ضاعت عشرات الدول التي تدعى أو تدّعي أنها اسلامية في الزمن. لم تكن هذه حال الديانات الاخرى. البوذية انتجت الصين ونمور جنوب شرق آسيا، الهندوسية انتجت الهند. لا مجال للاشارة الى المسيحية (والحركات الاصلاحية) التي أنتجت، حتى في التأويل الغرائبي للنص، أهم أمبراطورية في التاريخ التي تتولى قيادة العالم تكنولوجياً واستراتيجياً، وان بلغة مصاصي الدماء، لا بلغة السيد المسيح، الى حد القول بـ "الديانة الأميركية» كبديل عن سائر الديانات الأخرى.

لم نتحدث عن اليهودية التي حولها «الحاخامات» الى حيث جنون المال وجنون الدم، كامتداد للحالة الأميركية. ستيوارت لم يقل إن ظهور «اسرائيل» في هذه المنطقة، يعني أن الله يقف الى جانب اليهود. قال «الهكم أيها العرب لا يمكن أن يكون كذلك». باراك أوباما في زيارة لاحدى دولنا قال «المشكلة فيكم». أجل المشكلة فينا...

نعيد سؤال ستيوارت «ماذا لو كانت «اسرائيل» على حدود ايران أو في قلب ايران، سواء كان الشاهنشاه على رأس السلطة أم كان آية الله. لكنهم اليهود الذين قال مارك سايكس فيهم «ما من قوة في الدنيا تستطيع غلبتهم». انظروا الى جو بايدن بكل مواصفات البطة العرجاء، كيف يلهث وراء ذلك الذئب.

ولكن ماذا حين يقوم وحين يقاوم العرب؟ حدث هذا في جنوب لبنان ، بالأيدي العارية، لا بالقاذفات ولا بالدبابات، تمكنوا من اجتثاث أي اثر للاحتلال عام 2000، ليتكرر المشهد عام 2006 ببكاء الميركافا، ثم لنعود ونرى كيف يواجه المقاومون اياهم محاولات «التوغل»، بعدما ظن نتنياهو أنه باغتيال القادة، وبتدمير المدن والقرى على أهلها، يمكنه جعل لبنان ومنه الى سوريا وما بعد سوريا، محظية «اسرائيلية».

حدث هذا في غزة، حيث الحفاة والجوعى (وحتى الموتى)، وعلى أرض لا يتوافر فيها الحد الأدنى من ظروف المقاومة، من تعرية اسبارطة. لكننا الآن قد نكون أمام الحرب الأكثر غرابة في التاريخ. انها الكوميديا الأميركية في صناعة الصراعات وفي ادارة الصراعات، ودون أن تكون هناك أي قوة أخرى لوقف تلك الكوميديا الدموية (الكوميديا السوداء). تصوروا أي جهود تبذلها لدى نتنياهو لعدم ضرب المنشآت النووية أو المنشآت النفطية الايرانية، بحجة عدم تغيير النظام هناك. تغييير سلوكه فقط ليقف في الطابور الأميركي.

ما يهزنا، حتى ولو انقضّ الغربان علينا، الكلام على عدم استطاعة ايران بكل تلك التهديدات بازالة «اسرائيل» من الوجود، وبالاستعراضات الصاروخية اليومية، وبكل تلك الحنكة الديبلوماسية والجيوسياسية، أن تحمي منشآتها من القاذفات «الاسرائيلية» التي عليها أن تقطع نحو 2000 كيلومتر للوصول الى أهدافها ؟

لا نملك سوى أن نسأل ونحن بين النيران، وابطالنا في الجنوب يواجهون الأرمادا «الاسرائيلة» بالصدور الفولاذية، أما من نهاية للكوميديا الأميركية؟ 

لعلنا نأخذ برأي شلومو ساند «ما يحدث أننا نقاتل بأبنائنا وبناتنا من أجل أميركا». ولكن ألا يبدو جو بايدن كالحصان الهرم الذي يمتطيه من وصفه بـ "ابن العاهرة». هل يخفى على أحد من هي العاهرة؟

نقطة الضوء هنا هي في عقلانية (أو براغماتية) النظرة الايرانية الآن. تابعوا مسار عباس عراقجي خصوصاً في السعودية. لقاؤه بالأمير محمد بن سلمان هام جداً، لنصل الى حديثه لقناة «الجزيرة» حيث التفهم الواضح للفصل بين الحرب في لبنان والحرب في غزة. بداية طريق...

الأكثر قراءة

القصر الجمهوري يستعد... هل يكون 9 كانون الثاني موعداً للحسم الرئاسي؟ «الاسرائيليون» لاهالي الجولان: لن ننسحب وستخضعون للقانون «الاسرائيلي» بالتجنيد اعتراض اميركي اوروبي على العفو العام عن الإسلاميين وطلبات إخلاء السبيل رُدّت