اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

المطلوب تضافر الجهود لاعادة التوازن الى نفوس الصغار القلق خبز يومي طرد التركيز وقلص القدرة الذهنية. المثل الصيني يقول: يقيس قيمة الناس الكبار بمقدار ما يحتفظون في كيانهم بطفولة مهما بلغت بهم الاعمار والمقامات.

الطفولة في لبنان باتت محاطة بالخراب والدمار. فما ذنب الطفولة في لبنان؟ ما ذنب تلك البرعمة العطرة في رياض لبنان حتى يخنقها العوسج؟ ما ذنب الملائكة الصغار تنتشها انياب الذئاب؟ قبل ان يبلغ سن الفطام. شاب رعبا الطفل اللبناني تغذى بلبن الرعب حبا فوق ارض الانفجارات!

التلميذ الصغير تغير قاموسه حتى بات يخلط بين اوتوكار المدرسة وشاحنة العسكر! بين دفتر الخرطوش ولوح الحساب وتلة الرصاصات الفارغة! لم يعد تركيزه واردا في الصباح على تمشيط شعره لان اخبار تمشيط المناطق بالنار احتلت كل المطارح. لم يعد التلميذ اللبناني يميز بين رائحة الزهور الصباحية ورائحة البارود التي تزكم انفه صباحا ومساء. غاب عنقود العنب لتحل القنابل العنقودية. ان تركيبة الطفل تبدأ مع مرحلة ما قبل الولادة. وعوامل الوراثة تدخل صلب هذه التركيبة.

لكن الصحيح ايضا ان العوامل الخارجية مارست دورا اساسا في تطوير نفسية الطفل فأثرت على نمو شخصيته. الحرب اللبنانية مع ما يرافقها من عنف ودمار صبغت نفسية الطفل اللبناني بلون من القسوة وحب الانتقام والتسلط وفرضت عليه نمطا جديدا من التصرفات ومستفحلا خلال تعامله ورفاقه.

نفسية الطفل

عقب الحرب العمياء

توجهت الى بعض اهل الاختصاص والعلم والاطباء والذين لهم خبرة طويلة في مشاكل الاطفال، في محاولة التعرف الى نفسية الطفل عقب الحرب العمياء، واي متى ما كانت عمياء!؟ قصدت عددا من المدارس.

كان لي لقاء مع مدير مدرسة وعدد من المربين الذين لهم خبرة في هذا الحقل ، حملت اليهم اسئلة كثيرة تدور في مخيلة كل مواطن، عن تأثير العنف في لبنان على نفسية التلميذ وكل تلميذ آمل لبنان!

فأجاب مدير المدرسة حول موضوع مدى تأثير العنف في لبنان على نفسية الطفل: لا شك في ان العنف يترك آثارا كبيرة في نفسية الطفل، الطفل حساس جدا، والعنف الذي يلمسه التلميذ في محيطه يولد لديه الخوف من الحاضر والمستقبل.

اصبحت نفسيته عاجزة – نظرة تشاؤمية – عنده نوع من الكره للحياة خوف مستمر من القصف والانفجارات واخبار العنف.

• هل لنا بمقارنة بين تلميذ الامس وتلميذ اليوم؟

- نحن نسعى جهدنا للتخفيف من هلع التلميذ، ولكن ما في يدنا وسيلة ماذا تريدوننا ان نصنع ونحن مسحوقون امام العنف؟ في الاحداث اللبنانية، تأثر بشكل مباشر التلميذ وقدرته الذهنية انحسرت بسبب القلق. فلم يعد قادرا على التركيز فكيف نريد منه ان يطرد الخوف من حياته واصبح الخوف خبزنا اليومي؟

اصبح رهينة الضياع

وقال السيد فارس مقارنا بين تلميذ الامس وتلميذ اليوم حبذا لو تندثر الحرب نهائيا في العالم عسى ان نتمكن من نزع الخوف من مخيلة الطفل. كم اود كم اتمنى ان تبتعد الحرب عن اطفال العالم. ان ما يعانيه اللبناني من جراح من ألم من تشرد من جوع من مرض من ضياع من حرمان من موت وجرحى – فيا رب ابعده عن كل انسان .كانت للتلميذ في الماضي حرية التصرف دون خوف اما اليوم فقد اصبح رهينة الضياع!

اطفال ينشأون في اجواء الخوف والعنف.

وقال السيد مارون: نحن نلاحظ فارقا كبيرا بين تلميذ الامس وتلميذ اليوم في الامس كان يخاف على حياته.

وعن مجال الاستيعاب قال انه تدنى بسبب الاحداث، ومعاملة الولد تغيرت كثيرا، ماذا ننتظر من طفل ينشأ في اجواء الخوف والعنف. يتحتم علينا الى حد بعيد تخطي كل العذاب الذي نعيش - ظروفنا قاسية واجواؤنا غير واضحة كل يوم مفاجأة كارثة، وعلى الرغم من كل هذا علينا ان نجد المرتع المناسب لتربية صالحة وتوجيه خير علينا ان نتحدى القساوة والمستحيلات والكوارث برباطة جأش وارادة حاسمة تريد الخير والخير وحده.

رأي اطباء النفس

وعن رأي اطباء النفس عن مستقبل الطفل اللبناني وسط دوامة العنف، يقولون انه لا يمكننا التكهن بنتائج حالة ما زلنا نعيشها على كل حال تترك الحرب حالات معاكسة لدى الاطفال فبعضهم تمرد وثار على الواقع وحتى نتمكن من تخطي كل هذه المشاكل على الامم تدريب طفلها على الوعي والخير بصورة متلاحقة ومتابعة اطلاعه على كل شاردة وواردة. وقد خضع بعض الاولاد لمشيئة الكبار بحيث اضمحلت مقومات شخصيته الشاذة الى حد بعيد.

* ترى هل الاهل عاجزون عن العلاج والمربون يكتفون بالملاحظة فأين العلاج؟ ولا بد من ان تكون هناك ثمة حالات مستعصية، فما هي ارشادتكم؟

- نعم هناك حالات مستعصية وهي كثيرة وتحتاج الى اطباء نفسانيين لمحوها من الاساس. افهم ان الاهل غير مطلعين على مبادىء علم النفس لهذا يقفون حيارى امام ما يجب ان يعملوه. لكن قبل كل شيء ينبغي الاقلاع عن التعامل مع طفل الحرب خلال الذهنية القديمة.

* هل من المستحب اخذ الطفل الى عيادات الطب النفسي، اذا تبين ان هناك ثغرة في شخصيته؟

- لا على العكس انا انصح بعدم اللجوء الى هذا الاسلوب ما لم تكن الحاجة ملحة فعلا. اقول هذا دون تشكيك بقدرة واطلاع اطباء النفس بل على الاطفال ان يتدربوا على حماية انفسهم اذ ان اخذ الطفل دون حاجة ماسة الى عيادة الطبيب النفساني سيترك في نفسيته اثرا سلبيا لن ينساه ابدا – واذا كان هناك حاجة ماسة – فلا بد عندئذ من اللجوء الى طبيب النفس.

وينبغي ادخال تغييرات اساسية في بنية التلعيم واهدافه ومحتواه والاهتمام بالواقع النفسي للتلميذ، وذلك بايجاد موجه تربوي ملم بعلم النفس يقيم في المدرسة في اثناء الدوام، ليساعد في حل مشاكل التلاميذ، ولا سيما من هم في سن المراهقة.

هناك اساليب عدة يمكن ان تتبع في محو اليأس من نفسية الاطفال الابرياء، كأن يقدم لهم الاهل الهدايا شرط الا تكون الالعاب التي تذكر بالحرب وعنفها، وعلى المربية في هذه المرحلة بالذات انتشال الاطفال من الجو القاتم ، وان تعيد اليهم اكبر طاقة ممكنة من البراءة التي افتقدوها.

اخيرا المطلوب ان تبادر الجهات المسؤولة الى العلاج السريع، بعد ان تصفو سماء الوطن ويتجلى دخان المحنة – ونبدأ صفحة جديدة مشرقة بالامل والسلام. ان نفسية الطفل اجمالا بمثابة زجاجة فارغة امتلاء النصف الاول بنفسية متعبة من جراء الحرب، وبقي النصف الاخر فارغا. من هنا يبرز دور الاهل والمدرسة لانتشال الطفل من الجو القاتم. فماذا ينفع اللبناني لو ربح العالم كله وخسر الطفولة.

* اختصاصية في علم النفس

الأكثر قراءة

العلويّون ضحايا العلويين