اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


أما وقد انكسر ذلك الايقاع الدموي، والضبابي، للصراعات، وللأزمات، التي كادت تودي بالشرق الأوسط الى الجحيم، لتفتح الأبواب أمام الصفقات الكبرى، أو ما دعته قناة "فوكس نيوز" "استراتيجية الأبواب المفتوحة"، لا بد أن نسأل، أين مكان للبنان في الحقبة الجديدة التي لا بد أن تنتظرنا حال أن تبرد الرؤوس الساخنة أو الرؤوس المحطمة. ألم تتحدث "جيروزاليم بوست" عن الساعة التي أهتزت فيها عظام بنيامين نتنياهو ؟

أكثر من ذلك. كلام عن "الأمبراطور الأميركي الذي دفع برئيس حكومتنا الى الزاوية، حيث التف مناحيم بيغن ببطانية الصوف ريثما يلفظ أنفاسه الأخيرة". وبعدما كان نتنياهو يراهن ليس فقط على أن يحطم "رأس الأفعى" في طهران، بل على أن يمضي معه الرئيس الأميركي الى تغيير الشرق الأوسط وفق تفسير الحاخامات لنبؤة حزقيال. ملك يهودي على المنطقة التي شهدت بداية الخليقة، على أن تشهد أيضاً ... نهاية الخليقة !

مثلما ترامب بارع في عقد الصفقات، بارع في صياغة التوازنات. هنا يفترض أن ينتهي المسار الجنوني لبنيامين نتنياهو، بالبعد التوراتي في شخصيته. ولكن اذا كان الرجل يلعب في رأس رجب طيب أردوغان، وفي رؤوس أخرى كبيرة، هل يستطيع أن يلعب في رأس آية الله خامنئي ؟

القيادة الايرانية التي صدمت بحجم الاختراقات الاسرائيلية لأكثر القطاعات حساسية في الدولة، بحاجة الى الكثير من الوقت (ومن الجهد) لاعادة هيكلة المؤسسات، وحتى لاعادة بناء الاستراتيجيات. لا بأس، وقد أصاب البرنامج النووي ما أصابه، أن ترسم صورة مختلفة للتعاطي مع البيت الأبيض الذي يعتبر أن العلاقات مع ايران، بموقعها الجيوستراتيجي البالغ الحيوية، أكثر من أن تكون ضرورية في الصراع المقبل حول قيادة الكرة الأرضية . هنا نقطة التقاطع بين الشرق الأقصى والشرق الأدنى، وفق نظرة الملكة فيكتوريا ابان الاحتلال البريطاني للهند.

لا التفجير ولا التفكيك، الذي كان يراهن عليه نتنياهو باعتقاده أن بقاء الدولة رهن بتعرية دول المنطقة حتى من ثيابها. ترامب أعجب بنظرية الديبلوماسي جورج كينان حول "الاحتواء" (1946)، وان لم تنجح هذه النظرية في احتواء الأمبراطورية السوفياتية التي قالت الآختصاصية الفرنسية في الشؤون السوفياتية هيلين كارير ـ دانكوس أنها لم تسقط بالصواريخ العابرة للقارات وانما بشفتي، أو بساقي، مارلين مونرو.

من سنوات، كتب روبرت كاغان عن حاجة الشرق الأوسط الى عملية جراحية تخرجه من الدوران السيزيفي داخل الحلقة المفرغة (بالحرف الواحد الحلقة الجهنمية)، ليبدو كاريكاتورياً شعار بنيامين نتنياهو حول تغيير الشرق الأوسط. هذه عملية بالغة التعقيد، ومع وجود النفط فيها، وكذلك وجود مضيق هرمز وباب المندب، فضلاً عن قناة السويس فيها. بمعنى آخر. انها حلبة الأباطرة ـ ولطالما قيل حلبة الآلهة ـ لا حلبة المجانين ...

قوى مختلفة في لبنان، ومنذ اللحظة الأولى لتوجه القاذفات الاسرائيلية لضرب ايران، على أنها الضربة القاضية، بالتداخل الرهيب بين العملية العسكرية والعملية الاستخباراتية، بدأت باعداد الخطط الخاصة باحداث تغيير دراماتيكي في المسار الاستراتيجي للدولة اللبنانية، وحتى في البنية الديموغرافية والطائفية لهذه الدولة. ولكن ليفاجئ الرئيس الأميركي الجميع بقرار وقف النار، في أجواء ضبايبة جداً، وان كان واضحاً أن القرار لم يكن أبداً لمصلحة الدولة العبرية التي كانت تنتظر لا أن يمثل أية الله خامنئي بين يدي الجنرال مايكل كوريلا مثلما مثل الأمبراطور هيرو هيتو بين يدي الجنرال دوغلاس آرثر، وانما بين يدي الجنرال ايال زامير. لا نبالغ أذا ماعدنا الى التعليقات المجنونة لأهل اليمين في اسرائيل.

على العكس من ذلك، يسأل المعلق اليهودي الأميركي روجر كوهين "متى نرى دونالد ترامب وآية الله خامنئي سوية على ضفاف قزوين؟". هذا ليس بالبعيد اذا كان الرئيس الأميركي يريد ارساء قواعد للسلام في الشرق الأوسط أخذاً بالاعتبار القضية الفلسطينية، وحيث الجنون الاسبارطي في ذروته، والى الحد الذي يحمل أحد المعلقين الفلسطينيين على التساؤل ما اذا كان خيار الابادة قد حل محل خيار الترحيل.

لبنان أمام هذا المشهد السريالي. كثيرون كانوا قد شحذوا سكاكينهم، وأسنانهم، للانقضاض على "حزب الله". على أساس أن النظام في ايران قد قضى نحبه. حتى أن رئيس أحد الأحزاب بحث مع بعض مستشاريه في مناطق الترحيل، معتبراً أن دولة الكانتونات باتت على قاب قوسين أو أدنى، ما دام هناك من يراهن على احداث انقلاب بنيوي في الصيغة اللبنانية.

الوقت يأكلنا جميعاً. اذ يفترض باللبنانيين أن يعرفوا أين مكانهم على الطاولة، ليكونوا في خندق واحد، لا في خنادق (وفي قبور) متقابلة، وعلى تخوم الحرب الأهلية، ما زال هناك من يعتبر، بذلك العبث السياسي، والطائفي، أن لم نقل بذلك الغباء السياسي والطائفي، أن الظروف تعمل لصالحه. من تراه يعلم، والشرق الأوسط يتغير، لمصلحة من هذه الدوامة ..

الصورة المقبلة للمشهد رهن بالمسار الذي يمكن أن تأخذه العلاقات بين واشنطن وطهران. المشكلة هنا في رجل يشبه رقاص الساعة، وان كان واضحاً أن ترامب الذي أوقف الحرب في صرخة غاضبة في وجه نتنياهو، قد تبلغ من وسطاء خليجيين أن ايران ماضية معه الى آخر الطريق.

أين اسرائيل في كل هذا ؟ قهرمانة في البلاط الأميركي ...

الأكثر قراءة

ساعة اهتزت عظام نتنياهو