اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في ظل تصاعد حدة المخاطر الجيوسياسية العالمية تتفاقم تأثيرات الحروب والنزاعات المسلحة بشكل متسارع في النمو الاقتصادي الدولي.

تسلط الحرب في أوكرانيا وكذلك الصراع المتشعب في الشرق الأوسط على وقع الحرب بين "إسرائيل" وحركة حماس، والصراع بين "إسرائيل" وإيران، والضربات الإسرائيلية على لبنان، الضوء على المدى الذي تشكل فيه تلك التطورات الجيوسياسية عاملاً رئيسياً في تحديد الأداء الاقتصادي العالمي، إلى جانب الحروب والصراعات الأخرى، وكذلك الانقسام التجاري.

تعكس تلك المخاطر تجليات ملموسة للصراعات التي تعصف بالاستقرار الاقتصادي وتعمق من الأزمات المالية والاقتصادية، ذلك أن هذه النزاعات- بما تحمله من تداعيات على سلاسل التوريد وارتفاع أسعار السلع الأساسية- تفرض تحديات هيكلية أمام النمو الاقتصادي، مما يضع مزيداً من العقبات في مواجهة تداعياتها المباشرة وغير المباشرة على مختلف القطاعات والمؤشرات الاقتصادية.

لم يكد العالم يتعافى من جائحة كورونا وتبعاتها الاقتصادية الشديدة، حتى قرعت أجراس الحرب في أوكرانيا في 24 شباط من العام 2022، في لحظة فاصلة تختلف تفاصيل المشهد الاقتصادي بعدها عما قبلها إلى حد كبير؛ بعد أن تسببت العملية العسكرية الروسية -كما يُطلِق عليها الكرملين- باضطرابات واسعة النطاق في سلاسل التوريد العالمية، مما أدى إلى اختلالات هيكلية في الأسواق العالمية. إذ تعتبر أوكرانيا وروسيا من الموردين الرئيسيين للحبوب، فضلاً عن المكانة التي تشغلها موسكو في أسواق الطاقة، وهو ما جعل تداعيات النزاع بين البلدين تتجاوز الحدود الإقليمية لتؤثر في الاقتصاد العالمي برمته.

ارتفاع أسعار الطاقة نتجت منه زيادة في تكاليف الإنتاج والنقل، مما ألقى بظلاله على أسعار السلع والخدمات وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم في عديد من الدول. هذا التضخم المتصاعد، مقترناً باضطرابات سلاسل التوريد، أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة، مما يعمق من الأزمة الاقتصادية العالمية، وبما قاد البنوك المركزية إلى سياسة التشديد النقدي لكبح جماح التضخم الجامح على مدى أكثر من عامين، وهي السياسة التي بدأت تؤتي ثمارها تدريجياً أخيراً وبمعدلات متفاوتة.

وبينما لا يزال العالم يرزح تحت وطأة التأثير الواسع للحرب في أوكرانيا، نشب صراع آخر في منطقة شديدة الأهمية بالنسبة للتجارة الدولية، وهي منطقة الشرق الأوسط، بدأ بالحرب بين "إسرائيل" وحركة حماس منذ 7 أكتوبر 2023، ليضع العالم أمام سيناريوهات "شديدة التعقيد" لا سيما حال توسّع دائرة الصراع وسيناريوهات الحرب الإقليمية.

الحرب بين "إسرائيل" وحماس في غزة وبين "اسرائيل" ولبنان أضافت بعداً آخر للأزمة الاقتصادية العالمية من خلال تهديد الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، وهو ما ينعكس على الأسواق المالية والتجارية العالمية، ولا سيما أن التوترات في هذه المنطقة الحيوية تؤدي إلى تقلبات حادة في أسعار النفط، مما يزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية ويثبط الاستثمارات الأجنبية المباشرة. بالإضافة إلى ذلك، أدت التوترات في البحر الأحمر إلى ارتفاع تكاليف التأمين على المخاطر التجارية والشحن (علاوة المخاطر)، مما يزيد من تكاليف النقل واللوجستيات ويضفي مزيداً من العراقيل أمام حركة التجارة العالمية.

وفي السياق، ووسط "آفاق متقلبة" تؤكد تقارير صندوق النقد الدولي، مأزق الاقتصاد العالمي تحت وطأة الأزمات الجيوسياسية، التي تضعف النمو الاقتصادي حول العالم. وتشير توقعات النمو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تسجيل 2.7 في المئة للعام الجاري و4.2 في المئة للعام 2025 وفي الاقتصادات المتقدمة 1.7 في المئة في 2024 و 1.8 في المئة في 2025.

أما في ما يتعلق بالنمو العالمي، يتوقع الصندوق نمواً بنسبة 3.2 في المئة لعام 2024 و 3. 3 في المئة لعام 2025 (أقل من المتوسط منذ مطلع هذا القرن وحتى تفشي كورونا).

ووفقاً لبيانات البنك الدولي، الصادرة مطلع هذا العام، ومع اقتراب منتصف هذا العقد الذي كان من المقرر أن يشهد آثارا تحولية على صعيد التنمية، فمن المتوقع أن يسجل الاقتصاد العالمي معدلات "تدعو للأسف" في نمو إجمالي الناتج المحلي بنهاية عام 2024، هي الأدنى والأبطأ في فترة 5 سنوات على مدى 30 عاماً.

تبعات الانقسام العالمي

وإلى ذلك، فإن "الانقسام والتفتت الاقتصادي العالمي" وفي ظل المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة على نحوٍ واسع، يهدد بخسارة الاقتصاد العالمي ما قد يصل إلى 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (7 تريليونات دولار) ، بحسب غيتا كوبيناث نائبة مديرة صندوق النقد الدولي.

يعزى ذلك الانقسام –الذي أججته الحرب في أوكرانيا- إلى عوامل سياسية واقتصادية مختلفة قسّمت العالم إلى معسكرين رئيسيين؛ شرقي بقيادة روسيا والصين، وغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وسط تنافس محموم، في ضوء بنية جديدة تعتمل في الأفق بالنسبة للنظام الدولي، وللتحول من نظام أحادي القطبية إلى نظام ثنائي أو متعدد الأقطاب، بحسب مستشار البنك الدولي، محمود عنبر، والذي يقول إن لذلك الانقسام تبعات اقتصادية واسعة، لا سيما في ظل استخدام كل طرف أدواته للضغط على الطرف الآخر، من بينها على سبيل المثال حرب الرسوم الجمركية، والحرب التجارية الأوسع نطاقاً.

وتقديرات صندوق النقد الدولي ، تقدر الأضرار الناجمة عن الانقسام العالمي بخسارة تصل إلى 2.5 في المئة من الناتج الإجمالي، أو ما يعادل 2.5 تريليون دولار، وقد تصل تلك النسبة إلى 7 في المئة باختلاف قدرات الاقتصادات على التكيف مع التحولات التي تشهدها التجارة العالمية مع ذلك الانقسام أو "الحرب الباردة الجديدة".