اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

اذا كان الموساد قد تمكن من تحديد مكان السيد حسن نصرالله، ما كان مستحيلاً، في ظل الاجراءات الاستثنائية والوسائل الاستثنانية، التي اعتمدت لابقاء تحركاته، ولو من غرفة الى غرفة، قيد السرية المطلقة، كيف لم يتمكن من تحديد مكان يحيى السنوار الذي سقط بالصدفة، خلال اشتباك مع قوة من الغزاة، وبعدما بات القتال محصورأ في نقاط محددة تحت مرمى النيران، وفي متناول أجهزة الرصد البالغة الدقة؟

وهل حقاً أن بنيامين نتياهو كان يعلم كل شيء عن السنوار، لكنه استبقاه حياً الى أن يستكمل خطته بتدمير أي امكان للحياة على أرض غزة، خصوصاً بانتظار حلول فصل الشتاء، وعودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض، لترحيل أهل القطاع، على أن تكون الخطوة التالية ترحيل أهل الضفة، بعدما وعد الرئيس السابق بتوسيع الدولة العبرية التي هاله ضيق مساحتها التي هي أصغر من مساحة ولاية مثل نيو جيرسي بالمرتبة الـ 47 في المساحة بين الولايات الخمسين؟

وكان أحد نواب حزب «العظمة اليهودية» (عوتسما يهوديت)، أي حزب ايتامار بن غفير، قد نقل عن هذا الأخير قوله (مازحاً؟) لنائب بريطاني بالبحث عن مكان لاقامة الملك عبدالله الثاني وعائلته في أحد القصور الأثرية في المملكة المتحدة، باعتبار أن اخلاء الضفة من العرب باتت مسألة وقت.

لندع نتنياهو الآتي من الخرافة يذهب الى الخرافة، كما لو أن كل أبواب الشرق الأوسط مشرعة أمامه، وهو الذي فاجأته المقاومة في الجنوب بعدما كان يظن، وعل خطى آرييل شارون، أن الوصول الى بيروت لا يستغرق سوى أيام قليلة. صديق فرنسي، وهو مثقف كبير، سألني «أما من هوميروس عندكم يكتب عن هذه الملحمة التي تحدث على أرض الجنوب؟».

الالياذة اللبنانية التي جعلت الأميركيين يدركون استحالة اجتثاث «حزب الله»، وان تذرعوا بأنهم لا يستطيعون الا أن يجاروا تل أبيب التي في «أقصى حالاتها اليهودية». الفيلسوف الأميركي ديفيد لويس الذي كتب في «فلسفة العقل»، لاحظ مدى «أزمة العقل في العقل اليهودي»، وحيث «انفجار اللاوعي بالثأر من الآخرين»!

لنحاول أن نعرف كيف يفكر الأميركيون حيال لبنان. من يلتقون آموس هوكشتين (النصف أميركي والنصف اسرائيلي) يقولون انه يشعر بالارتياح في لبنان أكثر من "اسرائيل" (وحيث «الأرواح المقفلة» كما كتب ادوار سعيد). في مقابلة تلفزيونية أخيرة قال انه يعشق لبنان، لنتذكر ما قاله محمد الماغوط «حين يعشق الأميركيون شخصاً ما علينا أن ننتظر سقوط رأسه في أي لحظة. واذا ما عشقوا بلداً على أهل هذا البلد أن يفتحوا، في الحال، أبواب المقبرة». أهكذا يعشقنا الأميركيون؟

ما نستشفه من زملاء فرنسيين قريبين من الكي دورسيه (مقر وزارة الخارجية)، أن الأميركيين الذين تواصلوا مع الايرانيين في الاسابيع الأخيرة لاحظوا مدى استعدادهم  لاحداث تغيير في توجهاتهم الجيوسياسية على امتداد الشرق الأوسط، وهذا ما أبلغوه، بطريقة أو بأخرى، الى السعوديين والى المصريين».

الأميركيون لا يبنون قناعاتهم، في مسائل على هذا المستوى من الحساسية، في «ساعات النار». لكن اختيار مرشد الجمهورية مسعود بزشكيان رئيساً للدولة  وكلامه على «التفاعل» مع العدو (أي أميركا)، يعكس الرغبة في الانتقال من مرحلة الصدام الى مرحلة التعاون. لكن رؤية ذلك على الأرض لا يمكن أن تحدث بين ليلة وضحاها بسبب التناقض بين الضرورة الايديولوجية والضرورة الاستراتيجية في صياغة السياسات الخارجية.

 كما أن الأميركيين لا يعتقدون أن الايرانيين في صدد الخروج من الشرق الأوسط، أي أنهم لن يتخلوا عن حلفائهم الذين هم الركيزة الأساسية لدورهم في المنطقة، وحتى في علاقاتهم مع العالم. لكن أي تغيير في مسارهم السياسي لا بد أن ينعكس على مسار هؤلاء الحلفاء، بعد أن تضع الحرب أوزارها، وبعدما تبيّن للأطراف أن الخروج الفوضوي من الستاتيكو الذي كان قائماً يعني الدخول في «ميتولوجيا الخراب».

ولكن مع اقتناعنا بأن ما فعله، ويفعله بنيامين نتنياهو يدخل في اطار الاستراتيجية الأميركية التي غالباً ما شقت طريقها الى العالم عبر النيران، هناك الكثيرون داخل «الدولة العميقة» يرون أن مهمة الرجل أوشكت على النهاية، كما أنه بلغ، شخصياً، خط النهاية. غالباً ما كانت نهاية هذا النوع من البرابرة على أرض لبنان...

الأكثر قراءة

من الكهوف الى الملاهي الليلية