اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

للساحات رجالها وللمواقف أبطالها، أولئك الذين يصوغون المجد حيثما يستدعي الوقوف، ويخطّون فصول التاريخ بقبضات صلبة وحناجر تهدر في وجه الظلم والطغيان. شهدت روضة الحوراء زينب (عليها السلام) في الغبيري – بيروت، أمس القريب، مؤتمرا صحفيا لرئيس وحدة العلاقات الإعلامية الحاج محمد عفيف، الذي جدد تأكيده على صلابة المقاومة وثباتِها في ميدان الجهاد ضد العدو الإسرائيلي. وفي كلمته، هاجم قنوات التطبيع العربي ومظاهر الذل، مطالبا الدولة باتخاذ خطوات – ولو بالحد الأدنى – لإغلاق مكاتبهم في بيروت. كما أكد استهداف منزل نتنياهو من قبل المقاومة، متوعدا إياه بأن «الأيام والليالي بيننا وبينكم»، وبأن يدَ المقاومة ستطاله مهما امتد الزمن.

وقبل بدء مؤتمره، جال الحاج محمد بين أضرحة الشهداء، يتأمل وجوههم الخالدة على شواهد قبورهم، كأنه يخاطب أرواحهم بحديث صامت: أنتم السابقون، ونحن على الدرب ماضون. ثم جلس على كرسيه، وأدار ظهره للأضرحة، كمن يقول: هؤلاء همُ الحماة الحقيقيون، من نستند إليهم بعد الله، وهم سند الظهر الذي لا يخون.

بدأ حديثه بنبرة الليث المدرك للخطر، لكنه لا يخشاه، ماض في مساره بثقة غير عابئٍ بالتهديدات المحيطة. أنهى المؤتمر، وبقي حتى انفض الحاضرون جميعا، ثم تابع طريقه بهدوء الواثق. ومما شدَّ الأبصار وأسرَ القلوب، أن عناصر التنظيم ظلوا في مواقعهم بعد انتهاء المؤتمر، منهمكين في تنظيم السير كأنهم في زمن غير الزمن، لا يأبهون بوعيد العدو الذي توعد بقصف المنطقة. بقوا في أماكنهم بثبات الجبال، حتى غادرت آخر سيارة وغاب آخر مراسل عن المكان، دون أن يطرفَ لهم جفن أو ترتعشَ لهم قدم. رجال ولا كل الرجال.

وفي مشهد مغاير، كان التيار الوطني الحر، على لسان رئيسه، يغسل يديه من التحالف، متنصلا من الشراكة، موجها اللومَ إلى ما اعتبره الاستراتيجية الخاطئة. يا للمفارقة بين مشهدين: مشهد يعكس البطولة والوفاء للخط والمبدأ، وآخر لحليف الأمس الذي استفاد من المقاومة في كل مجال، ثم أسرع يقدم أوراقَه للسعودية والغرب، متناسيا زمنا قريبا كان فيه الطفل المدلل لدى حزب الله وأمينِه العام الشهيد.

سوف يحفظ التاريخ هذه المرحلة الفاصلة من حياة شعبنا، وسيروي كيف ظل البعض من العرب واللبنانيين صامتا متفرجا على غزة تُذبح دون أن يرفَّ له جفن. لكنه سيذكر أيضا رجالا لم تهزمهم رهبة الموت، ورفضوا أن يكونوا غبارا عابرا في هذه الدنيا. سيكتب التاريخ عن أولئك الذين واجهوا عدوا مدعوما من أقوى إمبراطوريات العصر، وعن الذين صمدوا في شوارع بيروت في وجه آلة الموت الإسرائيلية، يهتفون بالحق في بحر من الظلام والخنوع العربي والتآمر العالمي.

فليأخذ كل منا موقعَه؛ فإن التاريخ لا يغفلُ أحدا.

الأكثر قراءة

«اسرائيل» تعربد جنوبا: سقوط الضمانات الدولية واستفزاز للمقاومة وقف النار يهتز في وادي الحجير وحكمة حزب الله لن تستمر طويلا؟ «اختبار» رئاسي لقائد الجيش في الرياض «والقوات» تنتقد المعارضة