اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

مثلما يسأل اللبنانيون وهم تحت النيران أين الايرانيون؟ الايرانيون الذين ينتظرون الضربة «الاسرائيلية»،  يسألون أين الروس؟ الفارق شاسع بين الحالتين. روسيا لديها حساباتها الدولية والاقليمية الدقيقة. لا مواجهة مع «اسرائيل» الصديقة، ولا مع الأميركيين بوجودهم الساحق في الشرق الأوسط، لينحصر الوجود الروسي في سوريا، بمشكلاتها الشديدة التعقيد. بمعنى آخر، روسيا داخل الحصار الأميركي و"الاسرائيلي»، حتى في سوريا...

كل ما فعله الكرملين أنه حذّر «اسرائيل» من ضرب المنشآت النووية في ايران، بعدما كان الأميركيون قد بذلوا جهوداً شاقة لتكون الضربة بعيدة عن هذه المنشآت، وعن المنشآت النفطية، تفادياً لانفجار الوضع على امتداد الشرق الأوسط، وهو ما يبتغيه بمؤازرة الولايات المتحدة التي قررت عدم الانزلاق، وبعد الهروب من أفغانستان، الى ما دعاها الجنرال ديفيد بترايوس «رقصة المستنقعات»!

واذا كان الأميركيون قد زودوا الدولة العبرية بمنظومة «ثاد» لمواجهة الصواريخ الباليستية الايرانية في الرد على الرد، تشير المعلومات الى أن الروس بعثوا بمنظومات مماثلة الى ايران، لحماية الأهداف الحساسة فيها، ولكن (يا للغرابة !) دون اسقاط أي طائرة «اسرائيلية»، ابعادها فقط.

هكذا، وأمام كاميرات العالم، تحط مئات الطائرات الأميركية المحملة بأشد الأسلحة هولاً في «اسرائيل»، فيما تحاذر موسكو الاشارة الى المساعدات الدفاعية المحدودة الى ايران، التي تقول «الايكونوميست «أنها «فاجأتنا بمدى هشاشتها في مواجهة الضربات «الاسرائيلية»، وهي التي اخترقت المنطقة ايديولوجيا وحتى جيوسياسياً، من ضفاف البحر الأحمر الى ضفاف المتوسط».

منذ البداية كان يملأ رأس نتنياهو أن ينقذ رأسه. سخر كثيراً من سلفه ايهود أولمرت، وقد ظهر في الصورة يتناول طبق الحساء في زنزانته. لكنه ما لبث أن شعر بالهلع أن يظهر هو في الصورة اياها. اذاً، الذهاب بالحرب الى حدودها القصوى، وبمؤازرة واشنطن التي تريد ازالة أي اثر لايران في المنطقة، دون أن يدرك أن من أساسيات استراتيجيتها فيها تصنيع الفوضى بتفجير الصراع السني ـ الشيعي. تصوروا أن قناة «الحرة» راحت تروّج لقول الخليفة عمر بن الخطاب «ليت بيننا وبين فارس جبل من النار ، لا ننفذ اليهم ولا ينفذون الينا».

هذا الصراع ما زال ماثلاً في العديد من الحالات، والى اعتبار الحرب في غزة وفي لبنان هي لدرء الغزو الايراني للمنطقة، كما لو أن حالة الهلهلة في العالم العربي لم تفتح الأبواب أمام كل الأمم، وأمام كل القبائل.

بنيامين نتنياهو كان يعلم أن كل الطرقات مشرعة أمامه، للقضاء على المقاومة أنّى وجدت، حتى ولو استدعى ذلك وبايحاءات «توراتية»، ابادة أو تشريد لفلسطينيين، وابادة أو تشريد اللبنانيين، وهذا ما يحصل فعلاً، ليقارن الانكليزي ديفيد هيرست بين ما يفعله «ملوك التوراة» وما كان يفعله آلهة الاغريق، وهم يحتسون الخمر احتفاء بتحويل الكائنات البشرية الى رماد.

هكذا تركت المقاومة في غزة تواجه ببطولة منقطعة النظير، الأرمادا الأميركية، أجل الأميركية. وهكذا تركت المقاومة في لبنان بالأداء الاسطوري، تواجه ذلك الاسطول الهائل من الدبابات (والقاذفات)، بعدما أعطيت الأوامر بالانقضاض الصاعق على الجنوب اللبناني (والى أين...؟). ايهود باراك الذي سبق وحذّر من الدخول الى جهنم، يحذّر الآن من الفضيحة الكبرى (محرقة الدبابات)، على غرار ما حدث في حرب تموز 2006. 

عالم أقفل عينيه وأذنيه، كما لو أن المذابح اليومية في زمن «القرية الكونية» تجري على كوكب آخر. ولكن متى لم ينظر الينا الغرب أكثر من جثث مع وقف التنفيذ ؟ جاء أنتوني بلينكن وآموس هوكشتين، وهما اليهوديان، الى «تل أبيب» لتبريد رأس بنيامين نتنياهو، خشية الحرب الكبرى التي لا بد أن تتحول في اي لحظة الى حرب نووية، فكان الرد غارات يومية مجنونة على الضاحية ،التي خلت حتى من القطط. لنسأل اذا كان الرجل يريد ترحيل «البيئة الحاضنة» أم تفجير الحرب الأهلية، وقد بات هناك في الداخل من «يبشّر» بذلك؟ 

زعيم «الليكود» يراهن على عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض، وهو الذي يستشف من كلامه اعتزامه تغيير المشهد الحالي في لبنان، تبعاً لما تقوله ايفانكا (التي اعتنقت اليهودية). ولطالما قلنا انها تتجول بالكعب العالي في رأس أبيها.

لا حرب كبرى، ولا تسوية كبرى. هل يعني ذلك بقاء الجنون «الاسرائيلي» على حاله؟ هكذا كان مناحيم بيغن الذي انتهى ببطانية الصوف. وهكذا كان آريييل شارون الذي انتهى بالغيبوبة. كيف سينتهي بنيامين نتنياهو؟!

الأكثر قراءة

من الكهوف الى الملاهي الليلية