اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في غزة، حيث تختنق الحياة تحت وطأة الحصار والقصف وتتعالى أصوات المعاناة يوميًا، وقع مشهد مفجع سيظل محفورًا في ذاكرة كل من شهده. في غمرة التصعيد الأخير، اجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي الأحياء، مصطحبًا معه دباباته، ليترك خلفه كارثة لا تصفها الكلمات. تلك الدبابات الضخمة كانت تجوب الشوارع بلا هوادة، تبحث عن هدف بلا تمييز. في وسط هذا الخراب، كان الهدف هذه المرة الأطفال الفلسطينيين الأبرياء.

أُجبر الجميع على التحرك. انتُزِع الأطفال من أحضان أمهاتهم، ودُفع بهم إلى حفر تشبه القبور، وسط غبار كثيف يعمي الأبصار، فيما دارت الدبابات حولهم مرارًا، وكأنها تصطاد أرواحهم الصغيرة. ارتفع الصراخ والبكاء من كل حدب وصوب؛ أطفال يبكون، وأمهات يصرخن بحثًا عن أبنائهن.

ثم فرض جنود الاحتلال على الأمهات أن يحملن الاطفال حتى لو لم يكن طفلهم والا مصيره الاختناق والموت. كانت تلك اللحظة هي الأقسى؛ أم تلتقط طفلًا بين ذراعيها، وهي لا تعرف إن كان طفلها أو طفل غريب. لم يكن هناك وقت للشك أو الاختيار؛ كان الأمر مسألة حياة أو موت.

انتشرت الأمهات في الأرض يبحثن عن أبنائهن وسط بحر من الأطفال، كل واحدة منهن تحضن طفلًا غريبًا. في أجواء مشحونة بالألم والضياع، أمهات يبحثن عن أطفالهن في يد نساء أخريات، ونساء يحملن أطفالًا ينتظرن لحظة العثور على أمهاتهم الحقيقات.

هذه الحكاية نُقِلت على لسان إحدى النساء في جباليا، التي روت تفاصيلها بمرارة وأسى للصحفي الفلسطيني يوسف لبد. لم يكن أمامها سوى أن تختم كلامها بجملة تحمل الغضب والأمل بعدالة السماء بين حروفها:

"حسبنا الله ونعم الوكيل".

هكذا تلخّص هذه القصة المأساة التي عاشها أطفال غزة وأمهاتهم تحت نيران الاحتلال؛ جريمة أخرى تُضاف إلى سجل طويل من المعاناة، حيث الأمل في الله وحده هو السبيل للنجاة، في انتظار يوم تتحقق فيه العدالة.