اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

التراجع الثقافي الفني هو سمة الواقع الحالي، لكن ذلك لم يمنع بعض المراكز والشخصيات العاملة في النطاق الثقافي من المثابرة، ومحاولة النهوض من جديد رغم أن غالبية ساحقة راحت باتجاه الاقفال.  

تضيق، وتكاد تنغلق، فضاءات الثقافة والفنون في زمن الحروب، حيث تهيمن على السماء والأرض آلات القتل المتوحش، بزعيقها المزعج، ما انعكس في لبنان، منذ اندلاع الحرب الاحتلال الإسرائيلي، تراجع المبادرات الثقافية والفنية بنسبة كبيرة.

كما توقفت المراكز الثقافية والفنية عن العمل في نطاقها نظراً لانشغال نشطائها في هموم الحرب، واتقاء مخاطرها، ومساعدة المتضررين منها حيث تحولت العديد من مراكز الثقافة والفن إلى مراكز إيواء للمهجرين.

التراجع الثقافي الفني هو سمة الواقع الحالي، لكن ذلك لم يمنع بعض المراكز والشخصيات العاملة في النطاق الثقافي من المثابرة، ومحاولة النهوض من جديد رغم أن غالبية ساحقة راحت باتجاه الاقفال.

من بين المبادرات القليلة التي تواصلت مساعيها، واحدة في "مركز بيروت للفنون" تحت عنوان "فنانون في الملاجىء"، وفي حيثيات الدعوة للمشاركة في المبادرة، أنه "استجابة للأزمة الإنسانية الحالية في لبنان، والتي أجبرت أكثر من 1,2 مليون شخص على مغادرة منازلهم – بمن فيهم 95 ألف طفل – يطلق "مركز بيروت للفن" المبادرة بهدف إحاطة الأطفال النازحين بقوة الفن العلاجية".

وقالت نشرة مرافقة للإعلان إنه: "في هذه الأوقات العصيبة، يمكن للفن أن يساعدنا في رؤية العالم بشكل مختلف، فالفن له القدرة على التهدئة، والمواساة، ورفع المعنويات، والتحفيز على الفعل والحركة".

ويشارك في تنفيذ المبادرة فريق من الفنانين من أصحاب المهارات والخلفيات المتنوعة، من أجل مد الأطفال النازحين بمنفذ للتعبير الإبداعي، بحسب النشرة، و "سيركز فريق الفنانين على عملية الإبداع بدلاً من التقنيات أو المنتج النهائي، وذلك باستخدام مجموعة متنوعة من الممارسات الفنية مثل الرسم والتلوين والحرف اليدوية والتصوير الفوتوغرافي والكتابة الإبداعية والموسيقى وغير ذلك".

ودعا المركز "علماء النفس، والعاملين الاجتماعيين، والفنانين ذوي الخبرة في العمل مع الأطفال القدوم إلينا للعمل على الأرض"، لأنه "يمكن لمهاراتهم أن تحدث تأثيراً تحويلياً في هؤلاء الأطفال والشباب".

زقاق: الفن يواجه الجريمة

"مسرح زقاق" الذي شهدت العاصمة بيروت العديد من مبادراته الفنية والثقافية، أعلن إلغاء مهرجانه السنوي، وقدم جردة حساب بحق الوحشية التي يرتكبها نظام الغرب الاستعماري، مؤكداً التزام الفن بالقضايا الانسانية، ودعا المجتمع الثقافي والفني الدولي للاتحاد بوجه الجريمة، وجاء في بيان له:

"نكتب هذه السطور، محاطين بأصوات المسيرات والطائرات الحربية والصواريخ والتفجيرات والتهديد بالحصار والاحتلال الاستيطاني لبلدنا، متسائلين عن عدد الحروب التي سنتمكن من النجاة منها بعد. حينما تحدث مذبحة في الشارع خلفنا، يواجه الفن الجريمة، ويحمي التماسك المجتمعي، ويعزز الشعور بالوجود المشترك.

منذ التأسيس في عام 2006، عام الحرب الإسرائيلية الوحشية الأخرى على لبنان، ظل "زقاق" ملتزماً بالعمل في ظل ظروف صعبة، محلياً ودولياً. والآن، في عام 2024، بعد مرور 18 عاماً، نجد التاريخ يعيد نفسه بشكل مأسوي، ولكن على نطاق أوسع".

وجاء في البيان أيضاً "قررنا منذ أيام إلغاء مهرجان أرصفة "زقاق" الذي ننظمه كل سنتين، والذي يأتي هذا العام بمناسبة الذكرى الــ 18 للتأسيس، وأكد زقاق "التزامنا المستمر بالعمل مع المجتمع من خلال الفن، والحرية بمعنى استمرارية القدرة على التساؤل والتحدي وإعادة خلق عوالمنا بقوة الخيال"،داعياً "المجتمع الثقافي والفني الدولي إلى الوقوف متحدين ضد الفظائع الاستعمارية، ولا نرى في هذه اللحظة قضية بقاء فحسب، بل قضية مستقبل الوعي البشري، وإلى إظهار ما تكنونه من روح تضامنية، خلال هذه الأوقات المظلمة التي يعيشها لبنان وفلسطين والعالم، وترجمة تلك الروح إلى أفعال".

الشهيدة سيلانا السمرا

اعتادت الطفلة سيلانا السمرا التدرب على الفنون في "المسرح الوطني اللبناني"، وبينما تهم للتوجه إلى المسرح، استهدفها صاروخ صهيوني مع عائلتها، قضى على الجميع، واعتبر مؤسس المسرح، قاسم اسطنبولي، أن "الطفلة البريئة سيلانا السمرا شهيدة هذا المسرح، كونها إحدى تلميذاته المواظبات على حضور ورشات عمل الرسم، والمشاركة الفعالة دائماً ضمن إطار فئتها العمرية".

ويتذكر اسطنبولي بحرقة وأسى كيف صادفها مع عائلتها قبل يوم من استشهادها، فأخبرته إنها ستحضر في اليوم التالي إلى المسرح لاستكمال رسمتها، غير أن العدوان لم يسمح لها بتحقيق حلمها البسيط، فانضمت الى قافلة الشهداء.

وقال اسطنبولي، إثر تسلمه جائزة أفضل ممثل في مسابقة العروض المسرحية في الدورة الرابعة من "مهرجان أيام كربلاء الدولي للمسرح"، إنه من الطبيعي جداً، لا بل أقل ما يمكن حمل قضية سيلانا إلى المنابر والمنصات الدولية، عبر إهداء هذه الجائزة لها، ولكل شهداء لبنان.

وأوضح أن المسرحية التي تم تقديمها في المسابقة، هي ذات صلة ليس بالقضية الفلسطينية فحسب، بل بكل إنسان حر.

غاليري "مرفأ"

توقف غاليري "مرفأ" في بيروت عن العمل منذ تصاعد العدوان على لبنان، لكنه استعاد المبادرة، وأعاد الافتتاح بصورة جزئية بما تيسر لديه من أعمال، ومنها المعرض الإفرادي لمحمد عبدوني بعنوان "بذور عاقرة" (Barren Seeds)، وقال في بيان إن الافتتاح سيتم ضمن إجراءات وقائية، وبدوام مختصر.

متحف "مقام"

أما متحف "مقام" في أعالي تلال منطقة جبيل، النائية عن الأحداث والمخاطر، قدمت الفنانة أليدا طربيه، وهي لبنانية فنزويلية متعددة التخصصات، في معرض بعنوان "العابر" وهو المستوحى من قصيدة "العابر" للشاعر أنطونيو ماتشادو، بمثابة "احتفال برحلة كل منا عبر مغامرات الحياة، حيث تتجسد فكرة أن دربنا في الحياة يرسم مع كل خطوة من خطواتنا”.

وأوردت نشرة للمعرض بعضاً من كلمات ماتشادو، وفيها: "لا طريق لك، أيها العابر/ إخلق الطريق بخطواتك".

ويضم "العابر" مزيجاً من المنحوتات البرونزية أوالمصنوعة من الريزين، والتركيبات التي ترمز إلى الطبيعة الديناميكية لرحلة الإنسان.

الأكثر قراءة

خاص "الديار": أول عملية استشهادية في الخيام ومعارك عنيفة مستمرة