اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


ما كان يمكن لليدي غاغا أن تفعل بردفيها ديبلوماسيا وسياسيا، لو كانت في البيت الأبيض، غير ما يفعله دونالد ترامب بشفتيه اللتين تخرج منهما النيران أيضا؟ صحيفة "التايمز" البريطانية قالت انه يحكم الأمبراطورية، كما لو أنه في ملهى ليلي في لاس فيغاس، لا في ما وصفها وودرو ويلسون بتلك الكاتدرائية المقدسة في جادة بنسلفانيا.

ها هو يستكمل عملية اقامة قوس استراتيجي يمتد من قزوين (ايران) الى المتوسط ("اسرائيل")، وكذلك اقامة قوس استراتيجي يمتد من شرق الباسيفيك (أوستراليا) الى غرب الباسيفيك (كوريا الجنوبية)، لضرب طوق فولاذي حول الصين حين تدق ساعة المواجهة الكبرى، وان كانت "النيويورك تايمز" قد لاحظت أن أجهزة الاستخبارات الأميركية لم تتمكن حتى الآن من احداث اي ثقب في رأس التنين، لمعرفة ما يجول من أهوال في هذا الرأس.

في هذه الحال، كيف يمكن لأمبراطورية هي الأعظم في التاريخ، أن تركز اهتمامها على حزب لبناني يعمل داخل حيز جغرافي لا يتعدى مساحة الضاحية النيويوركية، وفي ظروف أقل ما يقال فيها انها الظروف المستحيلة.

الاجابة باتت واضحة للقاصي وللداني. هناك جهات عربية لا تريد فقط ازالة أي أثر جيوسياسي لايران في المنطقة العربية، وانما احداث تغيير بنيوي، ان في التركيبة الديموغرافية أو في الخارطة الجغرافية للبنان، بالصورة التي تجعله مماثلا لغالبية البلدان العربية. طائفة كبرى أو اثنية كبرى تحكم البلد، الطوائف والاثنيات الأخرى هوامش بشرية. ثم أن هناك "اسرائيل" التي ما زال يلاحقها هاجس حزب الله، منذ أن تمكن مقاتلوه من دحرها في جنوب لبنان وما عجزت عنه جيوش عربية كبرى.

الآن، ثمة صورة أخرى للشرق الأوسط، الذي يفترض أن يدور حول الهيكل. الايديولوجيا التوراتية هي التي تتولى بطريقة أو بأخرى ادارة الدول الأخرى، وكل الايديولوجيات الأخرى، ما دامت هذه الدول قد ارتضت الاقامة الأبدية داخل الحرملك الأميركي، الذي هو الضمانة (الالهية) للبقاء في الزمن القبلي، دون التفاعل لا مع مقتضيات ولا مع ديناميات القرن.

لبنان في ذروة الهلهلة حين تكون التصدعات السياسية والطائفية، على ذلك المستوى من الخطورة. كيف للمؤسسة العسكرية، أو للمؤسسات الأمنية، أن تستوعب ذلك الوضع الشائك؟ من هنا الخشية من تسلل الخلايا الارهابية عبر تلك التصدعات، كقنابل موقوتة قابلة للتفجير في أي وقت. هل نتجرأ ونسأل : من يضمن وسط هذه الفوضى ألا نكون الأجهزة الاستخباراتية المعادية للمقاومة قد اخترقت الضاحية، وفي أمكنة حساسة ؟ هذا السؤال يفترض أن يطرح في كل ساعة...

ثمة خيار آخر مطروح في وجه لبنان. أن يكون تابعاً لدمشق، التي ينبغي أن تكون تابعة لأورشليم. هذه هي المعادلة التي تتبلور في أذربيجان، الدولة التي يفوق عداؤها لايران، بدعوى استيلائها على جزء واسع وحيوي من أراضيها، عداء "اسرائيل" لها.

مسؤولون "اسرائيليون" تحدثوا علنًا عن سيناريو رباعي (أميركي ـ روسي ـ تركي ـ "اسرائيلي") للاتيان بأبي محمد الجولاني (أحمد الشرع) على رأس السلطة في سورية، للتوقيع مع "اسرائيل" على صفقة القرن، من هنا يبدأ التغيير الكبير في الشرق الأوسط (حتى الآن بلغت التدفقات المالية على دمشق 21 مليار دولار). الشرط الجوهري أن يقدم رجب طيب أردوغان مرتفعات الجولان هدية الى بنيامين نتنياهو، مثلما قدم ألبير فرنسوا لوبران (الرئيس الفرنسي) لواء الاسكندرون الى كمال أتاتورك. بالطبع هناك من يسأل الآن، لبنان مقابل الجولان؟

روسيا جزء من ذلك السيناريو؟ ما مصلحتها من ذلك، وان كانت المعلومات قد ذكرت أن الاستخبارات الروسية كانت قد حذرت من أن الاحتقان، وحتى الاختناق الأقتصادي في سوريا بلغ مرحلة يمكن معها توقع الانفجار الاجتماعي، ومعه انفجار النظام في أي لحظة. وكان هناك حديث عن "ذلك الثمن الذي يتقاضاه فلاديمير بوتين في أوكرانيا"، التي تشكل حالة وجودية بالنسبة الى روسيا. في حين تتحدث مصادر تابعة السلطة السورية عن حال من التوتر الخفي، الذي يسود العلاقات بين دمشق وموسكو، ما قد يؤدي الى اقفال وشيك للقاعدة الجوية الروسية في حميميم والقاعدة البحرية في طرطوس، وحيث تم فسخ العقد المبرم مع روسيا لتطوير مرفأ المدينة.

ذاك البيت الذي بمنازل كثيرة (أي لبنان)، كما كتب كمال الصليبي، محاط بالنيران من كل حدب وصوب. ولكن ألا يتردد في الظل أن هناك داخل فريق ترامب، بما في ذلك مبعوثه توماس باراك الذي قارن بين جورج واشنطن وأحمد الشرع، من يدعو الى فتح قنوات اتصال مع حزب الله، بعدما سبق للولايات المتحدة وتفاوضت مع الفيتكونغ في فيتنام، والذين طردوها من أرضهم بعد خسارة 58000 جندي و10000 طائرة، وكذلك مع طالبان في أفغانستان حيث كان الخروج الفضائحي منها.

باراك الذي سبق وقلنا انه ذهل لمدى الفجوة السياسية والطائفية بين القوى اللبنانية، يدرك مستوى الهشاشة في المشهد اللبناني وقابليته للانفجار، يفضل، وبالرغم من تصريحاته النارية والمستغربة، حل مشكلة السلاح على نار باردة. فهل يهمس في أذن صديقه (العقاري) دونالد ترامب بالحد من الضغط على لبنان لحل تلك القضية الشائكة، في ضوء وجود التقاطع الايديولوجي والاستراتيجي بين أحمد الشرع وبنيامين نتنياهو في النظر الى لبنان.

ليبقى في هذا السياق، أن يتوقف ذلك النوع الدونكيشوتي من القيادات عن الاثارة السياسية والطائفية، لأن لبنان على حد السكين...

الأكثر قراءة

مفاوضات بين أميركا وحزب الله؟