اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

قد يناقش كل منا في ماهية وجوهر معنى القومية في شتى الميادين العامة... السؤال المطروح كيف نوائم بين لبنان التنوع (المترامي التبعية للخارج في ميادين شتى) وبين القومية اللبنانية ولاءً لوطن الرسالة، والدور في مناصرة الحق عن طريق الدولة العادلة.

مع بدايات عشرينيات القرن الماضي همس في أذن البطريرك الياس الحويك إقامة دويلة مسيحية في جبل لبنان عصبها الرئيس الموارنة، لم يصغ إلى هذا الإغراء الفخ، وهو البطريرك الذي جال كل لبنان وتحديداً جبل عامل ما عاناه من بطش العثمانيين ضد الجنوب وأهله تنكيلًا بعلمائه وإحراق كتبهم وملحقتهم قتلًا وتشريداً.

لعل وهذا الجنوب نفسه  في عليائه لا يقبل العيش تحت احتلال مهما كان، وتحت أي مسمى (عثماني إسلامي) أو انتداب غربي... انطلاقاً من منظور العقل السليم لدى البطريرك الحويك وفهمه أن لبنان الجبل والجنوب والشمال وبيروت رغم التنوع الطائفي، هو لبنان العائلة الواحدة في ولائهم للبنان الوطن وطريقة عيشهم واحدة، إذ لا يمكن فصل الأخ عن أخيه في رحاب العائلة اللبنانية الواحدة.

نتحدث هنا عن اللبنانيين المتجذرين  في الأرض حباً وولاءً لها لا الطارئين على لبنان بمرسوم تجنيس، هؤلاء لا يعرفهم البطريرك الحويك ولم يشر إليهم، واللبناني الغيور لا يقبل أي توطين مقنع ولو لبس لبوس التهريب (القانوني) من هنا فهم البطريرك الحويك أن جبل عامل الرافض لحكم الغرباء ما تعرضوا له من مظالم متمسكين بأرضهم ويلفهم العيش الواحد مسلمين ومسيحيين، هم قوميون لبنانيون أولاً وتالياً وآخراً، كذا بقية لبنان. حيث جال البطريرك الوقور الحويك، رافضاً تجزئة لبنان أو تقسيمه أو تجزئته، مجيباً بعد معرفة بلبنان الأصيل لبنان

الوطن الرسالي أن رسم معالم الدولة يكون عن طريق إظهار حدود الوطن، حيث توجد العائلة اللبنانية من هذا الفهم لواقع الحال في لبنان وتحديداً جبل عامل ولدت القومية اللبنانية في عشرينيات القرن الماضي بشكل صحيح وسليم كإطار لم شمل العائلة اللبنانية ضمن دولة فكانت ولادة سليمة الكيان للبنان وسلوك دولة مستأثرة في المكتسبات تاركة وطنا أنشئت لأجله فكانت رحلة العذاب لوطن ينزف وينزف وينزف إلى متى؟

عملياً واقع الدولة في لبنان منذ نشأتها لم تلتفت إلى أطرافها، فكان البؤس والحرمان يلفان أكثر المناطق وتحديداً جبل عامل، حتى جاء الإمام موسى الصدر صاحب مقولة شهيرة حرثاً وزرعاً وإنتاجاً، أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، وأقسم بلبنان بجنوبه وشماله وجبله وعاصمته، ألا يترك محروماً فيه إلا وأعانه مكرساً القومية اللبنانية التي لا تتعارض مع مناصرة الحق أينما كانت، وتحديداً القضية الفلسطينية...

إذن هذا اللبنان المترامي الولاءات عن طريق أحزاب وشخصيات سياسية وجمعيات إلخ.... يفكرون في تحقيق أهداف خارجية لا يقوى عليها من أسس لهذه الأفكار والأهداف وساحاتهم بمنأى عن تداعيات أفكارهم وأهدافهم تاركين وطنهم لبنان ينزف أرضاً وشعباً ومؤسسات، إذ لا يحق لهم أن يستغلوا لبنانهم في صناعة مجد الآخرين ولو وهماً على حساب صناعة مجد لبنان الواجب عليهم إعلاء كلمته كوطن رسالي وكيان دولة يعتد بها، تفرض احترامها على كل المعمورة وليس فقط في الإقليم.

لبنان الشعب والأحزاب اللبنانية وكل القوى الحية فيه بحاجة إلى مراجعة ما حل بلبنان من تدخلات أجنبية واحتلالات خارجية انخرطت الأحزاب في ماهيتها بشكل أو بلآخر، وصراعات داخلية سميت بحرب أهلية، ماذا حققت من أهداف، وأي مصلحة جاءت لمصلحة لبنان، حروب وحروب وحروب لسنين طويلة. ماذا جنى منها لبنان غير الخسران للوطن شعبا ومؤسسات المجتمع والدولة، وجود أحزاب في لبنان حالة سليمة. أما العمل لغير الوطن الشعب والدولة، فهي حالة سقيمة ومميتة يجب بترها، العمل الشاتئن لوطن تعيش فيه لا يقره دين ولا يقره شرف.

هنا ليس المقصود الاختلاف في الآراء والأفكار إنما المقصود السؤال الواجب الحضور في الذهن أين مصلحة لبنان في الحفاظ على أرضه وشعبه وإقامة الدولة العادلة فيه.

وعليه المطلوب من كل القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة (فضلًا عن دور الشعب في اختيار ممثليهم) أن يبادروا إلى طاولة حوار، والحقيقة هي بنت الحوار، ومن لا يحاور إما ضعيف وإما متعصب أعمى والعمى أخ للجهل، وإما لديه أجنده لمصلحة الخارج حوار عنوانه لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، لبنان الرافض للتقسيم، الرافض للتجزئة، الرافض للتوطين، وكل أنواع التوطين المقنع كمرسوم المجزرة ضد لبنان مرسوم التجنيس العام 1994 البحث فيمن هو عدو لبنان من يشكل الخطر عليه؟ من يريد تقسيمه؟ من يريد ضرب التنوع الرسالي فيه؟ من يريد قتل الفرادة التي يتمتع بها؟ من يريد فرض التوطين عليه وإلغاء سمة لبنان العائلة اللبنانية الواحدة؟

كيف نكون مقاومة واحدة في مواجهة الأخطار لا مقاومات، مقاومة تقاتل المحتل ومقاومة ترقص فرحاً لمجيئه نحقق أهداف لبنان لا أهداف الغير على حساب لبنان وهذا فعل حرام نقف مع المظلوم في الداخل والخارج وفقاً لمصلحة لبنان الإنصاف والعدالة والشروع في بناء دولة بعد اتفاق سياسي على وجوب مصلحة لبنان انطلاقاً من مفهوم الدولة المدنية التي جاء بها اتفاق الطائف، وهو اتفاق ليس غير ذلك دولة مؤسسات قوية تضع مصلحة الشعب اللبناني الأصيل في أولوياتها عن طريق سن القوانين التي لا تخالف الدستور أولاها من قانون يعتبر أن المواطن اللبناني الأصيل والصالح يمثل وحدة الأمة، وأي تطاول على مواطن لبناني من أي جنسية غريبة تقيم في لبنان يستدعي الترحيل بعد عقوبة لتعوض الدولة على مواطنيها المسالمون، الذين ذاقوا الأذى من كل حدب وصوب، وهذا معنى من معاني القومية اللبنانية.

ولطالما أن الجيش اللبناني هو جيش وطني عقيدته واضحة الولاء للبنان، وإسرائيل هي العدو، وهذه نقطة إجماع على الجيش أنه جيش وطني عقيدته واضحة الولاء والانتماء للوطن شعباً ومؤسسات، وهذه نقطة ارتكاز لتحقيق الغايات في الحفاظ على لبنان الوطن الرسالي حوار يقدم كل فريق تجربته قبل الحرب الأهلية، وإبانها وبعدها، ولتناقش الأمور كما تناقش في غرف الحزب الواحد، ما دام النقاش هو حول مستقبل لبنان إجماع محبة الشعب اللبناني الأصيل، وإطلاق يد الدولة وأجهزتها في صوغ استراتيجية وطنية شاملة من كل اللبنانيين، كل حسب إمكاناته وخبراته تحمي لبنان من أي خطر خارجي تحديداً من العدو الإسرائيلي، وتداعيات خطرة أولاها مصيبة التوطين إن حصلت ومناصرة القضية الفلسطينية، انطلاقاً من فهم لبنان لحق الفلسطينيين في العيش في أرضهم لا أرض الغير، وتحديداً لبنان، وإنشاء لجنة تقديم مشاريع قوانين إلى المجلس النيابي عن طريق الاستراتيجية الدفاعية الوطنية، أولاها الدفاع عن لبنان وتكريس رفض التوطين في الدستور والقانون والتربية الوطنية حاجة لبنان من العمالة الأجنبية بشكل دقيق ومفصل وفقاً لقانون صارم، إبعاد من دخل لبنان خلسة إلى الجهة التي جاء منها أنى تكن العواقب، فهذا أمر سيادي، والأمر السيادي لا يستجدى من الخارج جعل الإقامة

في لبنان من أقسى القوانين في العالم، لأن لبنان دفع الثمن غاليا في هذا المجال وجاء من كرس ذلك بحجة قرار حكومي لبس لبوس القرار السيادي للإدارة العامة، إنشاء رقابة خاصة للعمل والعمال بإشراف مجلس الوزراء، لعل التداخل بين وزارات العمل، الصحة، الداخلية إلخ... التوفيق بين القوانين التشريعية والمراسيم الإدارية وفقاً للتعاون بين السلطات، وفقاً للدستور والقانون اللبنانيين التعامل الندي مع كل دول العالم العمل على إنشاء معامل للصناعة والتجارة الخارجية والداخلية بدل إيداع الاموال مقابل فائدة، وتعطيل العقل اللبناني المنير اعتبار العائلة اللبنانية من كل الطوائف هي عائلة واحدة ولها حصانة من أي اعتداء عن طريق القانون ليستعيد المواطن ثقته بالدولة، لطالما هو من دفع الثمن في وطنه لا الأحزاب ذات الوجهة؟ التشدد الصارم في منح الجنسية اللبنانية ليكون من صلحية المجلس النيابي للرفض في حال كان التجنيس جماعة لا أفراد التعاطي مع الخارج دون إسرائيل من دولة لدولة، ونسج العلقات في كيفية استفادة لبنان من الإنتاج العلمي في شتى الميادين توحيد كتاب التنشئة الوطنية أولاها قدسية لبنان الأرض والشعب والدولة واعتبار مؤسسات الدولة من المقدسات الأخلقية أولاً ومعنى الحقوق الواجبات، وأن الدولة تدار من حيث الكفاءة العلمية والتقنية والاختصاص مع أهمية القيادة السياسية الفاعلة التي يستقر في ضميرها صوت الله في الإنسان.

لطالما لبنان أذهل العالم بالتنوع والعيش الواحد كوطن رسالي لا يليق به التراشق بين أشقائه عن بعد ليجعلوا من لبنان وطناً ممزقاً أيها الأحزاب أنتم الويلت على لبنان لا لأنكم أحزاب بل لأنكم تركتم الوطن ينزف، حيث غاب عن اهتمامكم لبنان فهشمتم الدولة التي أنتم استلمتموها بعدما كانت دولة قاصرة ومقصرة لم تحم لبنان من أي خطر خارجي ولا داخلي وخاصة جنوبه، وأنتم لم تقصروا أيضاً في تقصيرها فحل بلبنان الويلات لا دولة تحمي ولا ترعى مصالح شعبها غابت الرعاية الصحية ومعها الدواء وغابت الثقة بالاقتصاد وتحديداً المصرفي وتبخرت الودائع وأغرق لبنان بالنازحين وحلت الويلات والمصائب أيها اللبنانيون، اما القومية اللبنانية أو لبنان إلى الزوال.

*باحث أكاديمي متخصص في القانون الدولي