اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

مع احتدام النزاع المسلح بين حزب الله والعدو الاسرائيلي، اضطر أكثر من 80% من سكان الجنوب اللبناني والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت إلى ترك منازلهم، واللجوء إلى أماكن أخرى هرباً من القصف المتزايد والعشوائي والخطر المحدق.

لم يكن النزوح خياراً لهم، بل ضرورة فرضتها ظروف الحرب، التي دمرت منازلهم وأخذت منهم شعور الأمان. هؤلاء الذين عاشوا حياة مستقرة وجدوا أنفسهم فجأةً مهجرين ينامون على الطرقات، في الوقت الذي تعجز فيه مراكز الإيواء عن استيعاب الأعداد المتزايدة منهم.

المدينة الرياضية تتجهّز!

وفقا لمعلومات حصلت عليها «الديار»، انه من بعد تهيئة مدينة كميل شمعون الرياضية لاستضافة المهجرين، يتم تجهيز المدينة الرياضية في بيروت لاستقبال آخرين، ممن لا يزالون دون مأوى. لكن، وحتى حين الانتهاء من التحضيرات، يبقى هؤلاء الأشخاص في العراء بلا ملاذ أو دعم كافٍ، ما يزيد من محنتهم النفسية والجسدية ويعقّد أوضاعهم.

قلب العاصمة: ساحة من الخيام القماشية

وللتحقق من الأنباء حول وجود نازحين يفترشون الساحات العامة، مثل ساحتي رياض الصلح والشهداء، قامت «الديار» بجولة ميدانية، حيث التقت بمجموعة من العائلات، وتحدثت معهم والتقطت صورا تظهر معاناة كبار السن إلى جانب الأطفال الرضع، حيث تعيش اسر بأكملها تحت اكواخ بدائية، مصنوعة من نسيج رقيق لا يقاوم برد الليل أو حرارة النهار، وسط غياب لأبسط مقومات الحياة.

وفي هذا السياق، يقول السيد خالد محمد الأحمد لـ «الديار»، وهو رجل يبلغ من العمر ثمانين عاماً، نزح من الضاحية الجنوبية هرباً من الغارات المكثفة، حيث يتعرض الحي الذي يقطنه لتهديدات متكررة بالإخلاء من قبل جيش العدو: «منذ ثلاثة أسابيع وأنا أتنقل مع عائلتي في ساحة الشهداء، فقد منعونا من المكوث في الأماكن التجارية والمرافق العامة الفسيحة. اضطررنا الى البقاء هنا في زاوية بعيدة، نحمل معنا أغراضنا القليلة، وننتظر من يجلب لنا وجبات بسيطة. ويضيف أنه على الرغم من تواصلهم مع العديد ممن وعدوهم بالمساعدة، فان شيئا لم يتحقق حتى الآن».

أطفال في فوضى النزوح

وخطر الأمراض يهددهم

يظهر الأطفال الذين يلعبون بأدوات بسيطة في زوايا الساحة، غير مدركين للخطر الحقيقي الذي يحيط بهم. تقول السيدة سماح الأسمر، التي تهجرت من جزين، وهي تتحدث بحزن عن خوفها على أطفالها من الأمراض، خصوصاً رضيعها الذي لا يتجاوز عمره ثمانية أشهر: «أخشى عليه من البرد والجوع، فكل ما أطلبه هو الحليب لأطعم طفلي، لا أريد شيئاً آخر».

يتضح أن الحالة الصحية لهؤلاء المهجرين تنذر بخطر كبير، فهم معرضون للإصابة بأسقام تنفسية وجلدية، نتيجة قلة النظافة والتعرض المستمر للأحوال الجوية المتقلبة، ما قد ينقل الأمراض إلى المجتمع الأوسع ويهدد الصحة العامة.

وفي ظل الضغوط الشديدة التي تعاني منها المستشفيات اللبنانية، تصبح حماية هؤلاء المهجرين ضرورة ملحة ليس فقط لأسباب إنسانية، بل أيضاً للحد من انتشار الأمراض.

معاناة وسط الإهمال وغياب الرعاية

لم يؤثر التهجير فقط في الأطفال وكبار السن، بل أيضاً في النساء اللواتي يقاسين من صعوبة التأقلم مع الظروف القاسية. اذ يجد السيد خالد الحاج المسن وسماح الام وغيرهم في مواجهة البرد والمطر بلا رعاية، ما يؤدي إلى تفاقم معاناتهم الجسدية والنفسية.

وفي هذا السياق، يفيد مهجّر آخ، «نتحمل البرد والجوع، ولكن الألم الأكبر هو الشعور بالتجاهل».

مراكز الإيواء... تحديات مُتشعّبة

رغم التحضيرات الجارية لتجهيز مراكز إيواء مؤقتة، فان هذه المنشآت تعاني من نقص في المعدات والخدمات الأساسية، إذ تفتقر إلى مياه نظيفة ووسائل تدفئة، مما يجعلها غير ملائمة لاستقبال المهجرين بكرامة في ظل اقتراب فصل الشتاء. لذا، يبدو أن توفير ملجأ ملائم ومجهز يمثل تحدياً كبيراً أمام السلطات، خاصةً مع تزايد أعداد المهجرين يومياً، ما قد يحول أزمة النزوح إلى كارثة صحية.

مسؤولية الدولة حماية المهجرين... وحماية المجتمع

ومع اقتراب الشتاء وهطول الأمطار، تتضاعف الحاجة لتوفير مسكن آمن ودافئ لهذه العائلات. فمن واجب الدولة اللبنانية حماية هؤلاء المهجرين، وتوفير أبسط مقومات الحياة الكريمة لهم، ليس فقط من منطلق إنساني، بل أيضاً لحماية المجتمع الأوسع من مخاطر انتشار الأمراض، خاصةً في ظل الأعباء الثقيلة التي تواجه القطاع الطبي، الذي لم يعد قادرا على تلبية الطلب المتزايد على الرعاية الصحية.

بناء على كل ما تقدم، يتطلب الواقع الحالي تنسيقاً سريعاً بين الجهات المعنية، لتأهيل مراكز إيواء مؤقتة وتزويدها بوسائل التدفئة والمستلزمات الأساسية، إلى جانب توفير رعاية خاصة للمسنين والأطفال وتزويدهم بالمواد الغذائية الاساسية، بما في ذلك الحليب للأطفال الرضع.

التحرك العاجل اشبه «بالسلحفاة»

يزداد الوضع الإنساني للمهجرين في ساحات بيروت انزلاقا نحو الاسوأ يوما بعد يوم، ما يستدعي تدخلًا عاجلًا من حكومة تصريف الاعمال والمنظمات الإنسانية، لتلبية احتياجاتهم الضرورية. اذ يخوض هؤلاء الأشخاص تجارب مريرة تهدد سلامتهم، ويحتاجون إلى تحرك سريع من مؤسسات الدولة، لضمان أمنهم في هذا الوقت العصيب.

في ظل الأزمات الاقتصادية والأمنية المتفاقمة جراء الحرب، تضاف مأساة التهجير إلى سلسلة من التحديات التي يعاني منها لبنان. وفي هذا السياق، توضح مصادر سياسية مطلعة لـ «الديار» إن «قدرة مراكز الاستقبال على استضافة المزيد من النازحين باتت محدودة للغاية، حيث تعاني هذه المرافق من نقص كبير في الموارد والقدرة الاستيعابية، مما يزيد الوضع تعقيدا. ومع اقتراب فصل الشتاء، فإن الحاجة إلى توفير الملاذ تتجاوز كونها ضرورة إنسانية فقط، بل أصبحت مطلبا ملحا من اجل حماية المهجرين من المخاطر الصحية الناجمة عن الظروف المعيشية القاسية».

وتشير المصادر الى ان «الدور الأساسي الذي يجب أن تضطلع به الدولة والجهات المعنية، يتمثل في تنسيق الجهود بشكل عاجل لتوسيع القدرة الاستيعابية للمراكز، وضمان الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة. ويجب أن تكون الأولوية لتأمين مأوى آمن ودافئ مع الخدمات الأساسية مثل المياه الصالحة للشرب ووسائل التدفئة. كما يجب على الحكومة تكثيف الجهود لتأمين الموارد الغذائية والطبية، بخاصة للأطفال الرضع وكبار السن الذين هم الأكثر عرضة للخطر».

وفي هذا السياق، تؤكد المصادر السياسية نفسها أن إهمال المهجرين في ظل هذه الظروف الطارئة غير مقبول، ويجب على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها في حماية هؤلاء الأشخاص، ليس فقط لكفالة حياة كريمة لهم، ولكن أيضا للحفاظ على صحة المجتمع اللبناني بشكل عام، في ظل الخوف من تداعيات هذه الأزمة الإنسانية، التي قد تتحول إلى محنة صحية إذا لم يتم التحرك بشكل عاجل».