عندما تريد أن تكون قاصًّا في زمن الرواية، عليك أن تكون مؤمنًا بما تقدّمه، وأن تحرص على أن تبحث عن الجديد لتقدّمه إلى المتلقّي، ولكن أن يكون الجديد مرتبطا بالتراث و "القديم"، فهي مفارقة لا تحصل مصادفة، بل تحصل عندما يكون القاصّ صاحب مشروع، وصاحب رؤًى وثقافة وهمّ كبير، ومع القاصّة العمانية ليلى عبد الله، تجد ذلك الجديد في مجموعتها "فهرس الملوك" (دار مرايا 2023).
قدّمت الكاتبة 15 قصّة، مشغولة ومحبوكة حول الملوك وحيواتهم المختلفة، تلك الحيوات التي تجمعها صفة "الملك" وكل ما ارتبط بهذه الصفة من قصص حيكت عن صاحبها على مرّ العصور والأزمان، ولم تخرج بحكاياتها، من حيث الشكل، عن القصص تلك، وما حملته من عِبَر وحِكَم وغرائبية، أما من حيث المضمون والغايات والنقد الاجتماعي والسياسي، فالأمور كانت آخذة مناحي مختلفة.
بدأت حكاياتها بحوار بين الملك والشاعر، وكيف لم يفهم من سمع الحوار بين "وا" و"إنّ" مقاصد الرجلين، ولماذا طَرَد الملكُ الشاعر، تلك التوطئة، أو القصّة القصيرة "جدًّا"، كان لحضورها دور رئيس، وهو أن الكاتبة أرادت أن تقول لنا، افهم ما استطعت مما أريده، وإن وصلتك بعض الأفكار فقط، فلا بأس، لأنّ المعنى قد يكون "في قلب الشاعر/القاصّ". ومن ناحية أخرى كانت الغاية للتأكيد على أنّ الصِّدام القائم بين الحاكم والمثقّف، مستمرّ، وسيبقى طالما أنّهما يفهمان مقاصد بعضهما بعضا، فعندما يسأل المثقفُ الحاكمَ عن مقصده يصبح من حاشيته، ولو سأل الحاكمُ المثقفَ عن مقصده، سيقوّم سلوكه ويثبت المثقف وجهة نظره وحضوره، وقد تنفَّذ أفكاره، أما استمرار هذا الفَهم، فهو استمرار للصراع.
حكايات الملوك، بين ذوّاق الملك الذي مات الملك بسببه، وتمثاله الذي عاد وتم تكسيره في النهاية وتم السؤال معه عن معنى الطاغية، ولوحة الفحم التي سالت ألوانها مع المطر، مرورًا بلباس الملك من نفايات الشعب، والملك المزيّف الذي أكمل حياته مع السكارى، وصولًا إلى القصة الأخيرة مع ملكة القلوب المأخوذة من قصص أليس في بلاد العجائب، كلها قصص لها جذور يمكن أن نكون قد سمعنا بمثلها، أو نتوقّع شيئًا من أحداثها، لذا يكمن السؤال، ما الجديد الذي قدّمته هذه المجموعة؟
أبدأ مع نهايات معظم القصص، وهي أنها تنتهي بما يشبه القصص الومضة، بمشهد بسيط فيه الكثير من التكثيف، وهو ما ميّز أسلوب الكاتبة، فبعد القصة الأولى وبعد الثانية، يصبح المتلقيّ منتظرًا للنهاية، ليس لأنّ تشويقًا ما حول سرّ أو مصير شخصية أو نهاية حدث سيحصل، بل لأنّه ينتظر التكثيف الذي ستحمله نهاية القصة، وهنا نجد جدّةً وبراعة.
أمّا العنصر الأبرز في هذه المجموعة، وهو برأيي العنصر الأصعب، فلجوء الكاتبة إلى القصص الشعبية والتراثية والخرافية، وتصميمها على أن تكون قصصها مشابهة لتلك القصص، لهو أمر في غاية الدقة والصعوبة على الرغم من أنه يظهر كأنه سهل وبسيط، فكيف تميّز نصّك وأنت الذي تكتب على غرار قصص الأطفال وقصص الجدّات؟ لقد أعادت ليلى عبد الله إعادة صياغة بعض الموروثات، وهنا الجديد المولود من رحم القديم إن صحّ التعبير، ولعلّ النقد الاجتماعي والسياسي للحاكم وللفاسد وللمجتمع، وكل ما مرّ من نقد وبثٍّ لأفكار الكاتبة وقناعاتها، لم يكن هو الأساس فيما قدّمته نصوصها من جديد، فكان يمكن لها أن تصوغ قصصًا واقعية أقرب إلى المتلقي وأقرب إلى حياتنا وقضايانا اليوم، ولكنها أرادت أن تقوم بعدة خطوات في آن، فقضية الهدم وإعادة البناء، كانت حاضرة بقوة في هذه المجموعة، على الرغم من عدم وضوح الهدم فيها. إلا أنّ إعادة البناء بحسب ذائقتها وقضيتها في كل قصة، وهمّها في كل فكرة، كانت خير دليل على الهدم الذي أجرته في بالها وعلى الورق على الأقل، قبل بداية بناءاتها الخاصة.
أسلوب النصوص متماسك وسلس، لم تتكلّف صاحبته ولم تبذل جهودًا للتنميق، فالقصص وشخصياتها وما نطقت به، كانت لغتها ومفرداتها مدروسة ومحسوبة، وهذا يُحسَب للمجموعة وكاتبتها.
هي مجموعة قصصية لقاصّة تعرف أصول الحكي والقصّ والسرد، وتعرف أصول البحث واتخاذ القرارات حين تريد أن تكتب، لأنّ المعاني، والقصص، والموروث، والنقد، والسرد، ...، مطروحة على الطرقات، أما الأسلوب والفنية والجدّة فهي الغاية.
يتم قراءة الآن
-
العلويّون ضحايا العلويين
-
حزب الله يُحذر من الخروقات «الإسرائيليّة»: للصبر حدود الجولاني مُستقبلا جنبلاط: سنكون سنداً للبنان
-
"Soft landing" فرنجية : فتّش عن المحيطين "كفانا خسارة"! جنبلاط نسق مع بري وقطع الطريق على جعجع القوات تنتظر بري وناقشت كلّ الخيارات منها المقاطعة
-
إيران: الانفجار الكبير أم التسوية الكبيرة؟
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
13:03
وسائل إعلام "إسرائيلية": تقرير أولي عن محاولة طعن عند حاجز حيزما قرب القدس وتم إطلاق النار على المنفذ
-
12:54
"يسرائيل هيوم": شاحنة دهست عدة أشخاص في حولون والخلفية قيد التحقيق
-
12:53
كتائب الشهيد أبو علي مصطفى: استهدفنا بالاشتراك مع سرايا القدس تحشدات "جيش" الاحتلال شرق رفح برشقة صاروخية من عيار "107"
-
12:53
الجبهة الديمقراطية تدين العدوان الأميركي – البريطاني – الإسرائيلي على اليمن
-
12:52
الجبهة الديمقراطية: العدوان على اليمن يؤكد مرة أخرى أننا أمام مشروع أميركي – أطلسي – "إسرائيلي" لإعادة هندسة أوضاع المنطقة
-
12:47
اشتباكات عنيفة في مخيم جنين بين الأجهزة الأمنية ومقاتلين