اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يعتقد البعض أن العلاقة بين الصين وإسرائيل في طريقها نحو العداوة نظراً للاصطفاف الصيني في المحور الروسي وصعود منظمة البريكس، مقابل التحالف المتين الإسرائيلي الأميركي، ومن ناحية الايدولوجية الصينية ان الصين الاشتراكية مدعوة للوقوف الى جانب الدول المضطهدة من قبل الإمبريالية الأميركية ، إضافة الى عامل مصالحها في المنطقة، فما هي حقيقة العلاقة بين الصين وإسرائيل اصلاً؟

إن العلاقات السياسية بين الصين والكيان الصهيوني مرت منذ تأسيس الكيان عام ١٩٤٩ بمنعطفات كثيرة اذا ان هذه العلاقات تثبتت عام ١٩٩٢ حين اعترفت الصين رسمياً بإسرائيل، هذه المسيرة من العلاقات ربما كانت الاطول بتاريخ العلاقات الدولية بين دولتين قبل ان يتبادلا الإعتراف وفتح العلاقات الديبلوماسية، من الواضح أن اعتراف الصين بإسرائيل دل على أن إسرائيل تريد تثبيت وضعها القانوني على الصعيد الدولي والاعتراف بها دولياً على صعيد الأمم المتحدة، وكذلك تعرضت هذه العلاقات لعدة مطبات سيما على أثر التحالف الأميركي الإسرائيلي وحرب الكوريتين وأيضاً إبان العدوان الثلاثي على مصر، وهناك آراء تقول ان ماوتسي تونغ كان يهودي الهوى إلا أنه كان يضع مصالح الدولة فوق كل اعتبار.

عندما تأسست إسرائيل عام ١٩٤٩ وكان على رأس هذه الدولة بن غوريون و موشي شاريت فقد تنبؤوا هم والحركة الصهيونية العالمية بعالمية الصين المستقبلي وإمكان تفوقها على الغرب يوماً ما، فإنهم كانو مقتنعين أن هذه (الدولة ) الكيان اذا ارادت تحصين مستقبلها يجب عليها ان تقيم علاقات متينة مع الصين والروس بالرغم من الدعم الكامل اوروبياً واميركياً.

لماذا الصين لم تعترف مباشرة بإسرائيل؟

على عكس ما فعله الاتحاد السوفياتي وتركيا والدول الغربية الأخرى، فإن الأسباب كانت واضحة لعدم الاعتراف، كانت الاشتراكية تسود العالم في تلك السنوات سيما بعد الحرب العالمية الثانية والصين والاتحاد السوفياتي كدول شيوعية كانتا تتآلفان وتتناغمان مع بعض الأنظمة العربية التي تبنت النظام الاشتراكي بالحكم، لكن الواضح أن الصين كانت لديها مصلحة بالتقارب مع العرب وبخاصة الدول المنتجة للنفط لتأمين مصالحها الاقتصادية.

لكن هذا الأمر لم يستمر، ففي ١٩٧٩ بدأ التطبيع العربي الإسرائيلي باتفاقية كامب دايفيد، بالإضافة الى تقارب صيني أميركي ١٩٧٢ عبر نيكسون وهنري كيسنجر  وذاع صيت ديبلوماسية الرياضة والبينغ بونغ ربطاً بالفريق الرياضي الأميركي الذي ذهب الى الصين وكان الباب الذي فتح العلاقات الديبلوماسية بين البلدين.

كل هذا دفع الصين الى اعادة النظر بموقفها من إسرائيل بخاصة أن المصالح بدأت تتوضح فإن نجم الصين بدأ يسطع على الصعيد التكنولوجي والاقتصادي كذلك الأمر في إسرائيل على صعيد الأمن والسايبر سيكيورتي والى ما هنالك من تطورات دفعت بالبلدين الى التقارب وحتى ان الرئيس الصيني زار إسرائيل عام ٢٠٠٠ وفي ٢٠٠٩ زار نتنياهو الصين وتسارعت بعد ذلك العلاقات بين البلدين كذلك الاستثمارات بين البلدين زادت بشكل كبير ولكن ما خفف منها هو الأميركي الذي لم يعجبه مستوى التقارب الصيني الاسرائيلي.

أمَّا على الصعيد السياسي، فلا تزال الصين على موقفها المتضامن مع القضية الفلسطينية وهي ترفع شعار الاستقرار العالمي وترفع دور الوسيط لأي صراع في انحاء العالم لحلها وهي كانت قد جمعت الفلسطينيين للمصالحة، وعملت على مصالحة بين السعودية وإيران، الصين تبحث على مصالحها الإقتصادية، لذلك على صعيد العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والصين نرى انه بعدما تم الاعتراف باسرائيل عام ١٩٩٢ زادت التبادلات التجارية بين اسرائيل والصين من ٥١ مليون دولار الى ١٥ مليار دولار في ٢٠١٨ كذلك زاد التعاون المتبادل بين الدولتين ليشمل العديد من المجالات وبخاصة في موضوع الاستثمار المتبادل سيما المجال التكنولوجي المتطورة . انشأت الشركات الصينية مراكز أبحاث وتطوير في إسرائيل وكذلك انشأت إسرائيل في الصين مراكز إستثمارية وابداع ايضاً وهكذا كان عنوان بعض الاتفاقيات مراكز للبحث والتطوير في البلدين حتى انهما وقعا معاهدة تجارة حرة بين البلدين وتم ايضاً على الصعيد العملي استثمار صيني في إسرائيل بمجال الاتصالات والسايبر سيكيورتي كما تم تطوير الآلات الزراعية في إسرائيل بواسطة الصينيين وشراء أسهم متبادلة بشركات الاتصالات مثل هاواوي ومجال الطاقة الشمسية.

في ٢٠١٩ قامت شركة صينية بتأسيس شركة طباعة ثلاثية الأبعاد للمعادن والسيراميك في إسرائيل واستثمرت الصين في البنى التحتية الإسرائيلية، إلا أن التطور الكبير الحالي بين البلدين يتم على الصعيد الأمني وخاصة في قسم الرادارات والتجسس و الطيران.

في عام ٢٠٢٤ تطورت التبادلات التجارية بين البلدين بشكل كبير فبعد ان كانت في ٢٠٠٦ من ٣،٠٠٠ مليار وصلت ب ٢٠١٨ الى ٥،٠٠٠ مليار والصادرات الصينية الى إسرائيل ٣،٠٠٠ مليار وتم التوقيع على إتفاقيات كبيرة من التبادل والأبحاث والتطوير الصناعي في مجال التنمية ومؤخراً تم توقيع مذكرة على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وحكومة إسرائيل.

أمّا على الصعيد العسكري، فمن الواضح ان العلاقات تطورت بشكل كبير من عام ٢٠٠٠ حتى الان، لكن اميركا اعتبرت أن هذا التطور هو إساءة لها لأنها لا تريد أن تطلع الصين على فحوى الأسرار العسكرية الأميركية التي تحصل عليها إسرائيل واكثر من مرة أعرب الأميركي عن استيائه من هذا التقارب وحتى انه تعرّض لبعض المعارضة من داخل إسرائيل القوة الحليفة جداً لاميركا، على الرغم من كل ذلك لا يزال التعاون العسكري بين البلدين يتطور وان كان الأميركي محاولاً تخفيف هذه الانطلاقة والاندفاعية، في ٢٠١٩ كانت بعض السفن والقوة البحرية الصينية وصلت الى ميناء حيفا وتم استقبالها من قبل قائد الجيوش الإسرائيلية بالإضافة الى كل هذا بدأ التعاون الأكاديمي و السياحي والبحثي والثقافي بين البلدين و الطيران يسير بينهما بمعدل رحلتين إسبوعياً وكذلك تبادل اكاديمي وبحثي بين الجامعات.

ولكن منذ انطلاق حرب غزة أعربت إسرائيل عن استيائها من الموقف الصيني من الحرب، لان الصين لا تزال تقول انها مع حل الدولتين وتدعو لمفاوضات لإنشاء دولة فلسطينية بإلإضافة إلى ان الصين دانت الحرب الاسرائيلية على غزة واعتبرتها إبادة جماعية مما ادى الى توتر الأجواء، ولكن بالتحليل السياسي ان الموقف الصيني المرتبط بهذا التطور السريع بالعلاقات مع اسرائيل سيؤثر سلباً من موقفها من القضايا العربية لأن مصلحة الصين بعلاقاتها مع إسرائيل اقوى بكثير من علاقاتها حالياً مع بعض الدول العربية خاصة بـ (هاي تيك) وحتى الآن لم نر ان الصين تقف موقفا صداميا ضد حرب غزة ولا بمواجهة الهيمنة الأميركية على العالم انما ما يهمها بحر الصين وتايوان والاحتواء للصراع مع أميركا نتيجة الترابط بالعلاقات بينهما.

ولمزيد من الموضوعية فإن الصين المؤيدة حقيقة للقضايا العربية والتي كان موقفها من حرب غزة جيد فهي لم توصف حركة حماس بالارهابية نتيجة عملية طوفان الأقصى لكن الحرب التي قامت بها إسرائيل ربما احرجت الصين لأنها بعد الانفراجة الديبلوماسية التي قامت بها بعد صلح الفلسطينيين وصلح السعودية وايران احرجها هجوم حماس لانها لم تستطع ادانة العملية كما فعلت الدول الغربية مع العلم ان الحرب الاسرائيلية تمت إدانتها من قبل الصين لكن ما نريد قوله ان الصيني والروسي لم يستطيعا فعل شيء جدّي لإيقاف الحرب ووقف اطلاق النار ولا لتخفيف عذابات الفلسطينيين في غزة بينما اميركا ومعها الغرب زاروا إسرائيل ووقفوا على خاطرها و لا يزال الأميركي يدعم إسرائيل بالمال والعتاد والسلاح والمواقف.

الصين محرجة جداً بالموضوع الإسرائيلي، فانها تحالف حليف خصمها الأول وهو الأميركي وهي تواجه تحفظاً أميركياً كبيراً عن تطور العلاقة بين الصين وإسرائيل سيما بالأسرار العسكرية، وايضاً الصين محرجة بعلاقاتها التاريخية مع الدول العربية ونتيجة حاجاتها للنفط العربي والإيراني، فكلها أسباب تؤدي الى إحراج الصين ووضع عقبات أمام هذا التطور.

لكن الصين مصرّة على هذه العلاقات و التي اوصلتها الى مراحل متقدمة فإنها تريد تطوير هذا التعاون لأنها تريد تحديث القوات المسلحة وتحديث الدبابات والطائرات، فهناك معلومات ان الصين اخذت طائرات من إسرائيل ورادارات متطورة لذلك فإن هذا التعاون المتبادل مهم إلا ان دونه بعض العقابات، فالصين حصلت على ٦٠ مقاتلة إسرائيلية وحدثت لها إسرائيل العديد من الدبابات تي ٦٢، كذلك استفادت الصين من دبابات الميركافا وهي سر قوة الجيش الاسرائيلي، وإسرائيل ساعدت الصين ببناء غواصات سونغ وبالتالي هناك مصلحة من هذا التحالف الاستراتيجي بخاصة في ما خص التوازن مع اميركا في بحر الصين عندما ارادت إسرائيل إعطاء الصين طائرات تجسس من طراز فالكوني وحاولت افشالها الحكومة الأميركية.

كيف يمكن ان تتطور هذه العلاقة وإسرائيل حالياً أزّمت العلاقة مع الصين بانتقادها للموقف الصيني من عدم إدانة حماس ومن موقفها من من القضية الفلسطينية والصين لا تزال تحمل خطاب التسوية العادلة والشاملة وحل الدولتين وهي تستخدم حق النقض في مجلس الأمن مع الروسي في ما خص حماس وسوريا لكن كيف يمكن لهذا الصيني ان يأخذ مواقف ملموسة في ظل هذا التعاون مع إسرائيل، على الرغم من ان إسرائيل دانت الموقف الصيني تجاه الاقلية المسلمة في الصين (الإغور) و بالتالي هل نصل الى فجوة سياسية او قطع علاقات بين اسرائيل والصين في وقت محشوراً صينياً بالنسبة لمشروع الحزام والطريق واستبداله اسرائيلياً بالممر الهندي.