اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في الأمس، كادت قوات حزب الله تقترب من تنفيذ عملية أسر لعدد من الجنود "الإسرائيليين" في منطقة الخيام اللبنانية، إلا أن سلاح الطيران "الإسرائيلي" تحرك بشكل عاجل وقصف المكان بشكل عنيف، مما أسفر عن مقتل الجنود "الإسرائيليين" المتواجدين هناك، لتجنب وقوعهم في الأسر. هذه الحادثة أعادت إلى الأذهان ما يسميه العدو بروتوكول هانيبال العسكري، ويثير الكثير من الجدل حول أخلاقياته وتنفيذه.

بروتوكول هانيبال: العقيدة السرية التي لا تتراجع

يُعتبر بروتوكول هانيبال إجراءً عسكريًا غير تقليديًا، يعتمد على فرضية أن الجندي القتيل أفضل من أن يكون أسيرًا. هذا التوجيه الذي تبناه جيش العدو يُمَكّن القيادات العسكرية من اتخاذ قرارات صارمة في حال تعرض الجنود للاختطاف، حتى ولو تطلب ذلك القصف العشوائي لمواقع الاختطاف، مما قد يؤدي إلى قتل الأسرى مع خاطفيهم.

وُضع هذا البروتوكول في الثمانينيات، بعد أن قام حزب الله اللبناني في عام 1986 باختطاف جنديين "إسرائيليين"، يوسف فينك ورافائيل الشيخ، الأمر الذي أثار ضجة واسعة في "إسرائيل"، وأدى إلى صوغ هذا التوجيه العسكري الذي يعتبر أنه لا مجال للتفاوض مع الخاطفين على حساب حياة الجنود "الإسرائيليين".

ورغم السرية التي أحاطت بهذا البروتوكول على مر السنين، فإن تسريبه بعد عام 2006 جعل العالم يعرف تفاصيله المروعة، بما في ذلك ما يترتب عليه من تصرفات قد تُفضي إلى قتل جنود "إسرائيليين" فقط من أجل تجنب وقوعهم في الأسر. لكن ما كان يُعتبر سياسة هجوم سرعان ما تحول إلى حجر زاوية في استراتيجية الجيش "الإسرائيلي".

نظرة تاريخية: من التسوية إلى التصعيد

بعد صفقة "الجليل" عام 1985، التي تبادل فيها 3 جنود "إسرائيليين" مع أكثر من ألف أسير فلسطيني، بدأت "إسرائيل" في التفكير بإجراءات أكثر صرامة لحماية جنودها من الأسر. ومن هنا جاء بروتوكول هانيبال، الذي تم صياغته على يد ضباط كبار مثل يوسي بيليد وغيابي أشكنازي، ليُمنح الطابع الرسمي في عام 1986. ومنذ ذلك الحين، تم تطبيق البروتوكول في العديد من العمليات العسكرية التي شهدت تصعيدًا خطيرًا في استخدام القوة، مثل قصف المدن والبلدات في غزة ولبنان.

كما أثار البروتوكول جدلاً أخلاقيًا وقانونيًا منذ بدايته. فقد كانت فلسفته تقوم على فكرة أن "الجندي القتيل أفضل من الجندي الأسير"، مما جعل العديد من الخبراء العسكريين يعترضون على مدى انسجامه مع القيم الإنسانية، إذ إن النتيجة المحتملة هي مقتل أسرى فلسطينيين مدنيين أبرياء، بينما يتم تنفيذ عملية حربية من أجل تفادي أسر جندي "إسرائيلي".

تحولات البروتوكول: من السرية إلى التعديلات العميقة

بالرغم من رفض الكثير من القادة العسكريين "الإسرائيليين" الإعلان عن تفاصيل البروتوكول، إلا أن الأحداث العنيفة في غزة والضفة الغربية، وكذلك عمليات خطف الجنود "الإسرائيليين" من قبل حماس وحزب الله، كانت كفيلة بكشف النقاب عن هذه الوثيقة السرية.

ففي بداية الألفية، بدأ جيش العدو في تعديل البروتوكول بعد تعرضه لانتقادات شديدة بسبب الخسائر التي تم تسجيلها نتيجة لتنفيذه في ساحة المعركة. وبشكل مفاجئ، أعلنت "إسرائيل" عن تغييرات على الوثيقة تشمل تقييد استخدام البروتوكول، بما يضمن أن يكون تطبيقه أكثر دقة وأقل ضررًا.

ومع تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية في عام 2023، عاد الحديث عن بروتوكول هانيبال ليطفو على السطح مجددًا، خاصة بعد الهجوم المباغت الذي شنته الفصائل الفلسطينية في عملية "طوفان الأقصى"، حين استهدفت المستوطنات في غزة ونجحت في أسر مئات "الإسرائيليين". هنا، ردت "إسرائيل" بقصفٍ مكثف لمواقع في غزة، حيث تجاوزت الحصيلة الآلاف بين شهداء وجرحى، ليُعاد إلى الواجهة الحديث عن تلك الإجراءات العسكرية الخطيرة التي تتضمن قتل الأسير "الإسرائيلي" بدلاً من تحريره.

المزيد من الجدل: التفسيرات المختلفة لبروتوكول هانيبال

بعد سنوات من السرية والتكتم، أصبح بروتوكول هانيبال جزءًا من حوارات ساخنة بين العسكريين "الإسرائيليين" وحقوقيين، إذ أصبح يُطرح في مجتمعات القانون الدولي باعتباره خرقًا فاضحًا للمعايير الإنسانية. في أحد الحوارات الشهيرة، رفض أحد القادة العسكريين أن يوافق على تنفيذ هذا التوجيه، مشيرًا إلى أنه يعتبر غير قانوني ويشكل تهديدًا لأرواح الجنود الأبرياء.

لكن من جهة أخرى، استمر جيش العدو في تطبيق هذا البروتوكول في حالات عدة، متذرعًا بالحاجة إلى الحفاظ على هيبة القوات المسلحة وحماية الجنود في الميدان.

من عمليات خطف الجنود "الإسرائيليين" عام 2006 في مزارع شبعا، إلى الغارات التي تم تنفيذها ضد المدنيين الفلسطينيين في عام 2014، شهدت "إسرائيل" عدة مناسبات استخدم فيها هذا البروتوكول، وهو ما تسبب في وقوع مئات الضحايا الأبرياء.

هل سيستمر هذا البروتوكول؟

تساؤلات عديدة ما تزال تُطرح حول مستقبل بروتوكول هانيبال، خاصة مع تطور استراتيجيات الحروب الحديثة والتغيرات في القانون الدولي. فهل ستستمر "إسرائيل" في الاعتماد على هذا البروتوكول الذي يعرضها لمزيد من الانتقادات العالمية؟ أم أن التعديلات الجديدة ستفضي إلى تغييرات جذرية في كيفية تعامل الجيش "الإسرائيلي" مع حالات الأسر؟ تبقى هذه الأسئلة مفتوحة، وقد تؤثر على مسار السياسة العسكرية "الإسرائيلية" في المستقبل القريب.

الأكثر قراءة

الرئيس المنتظر: هل تُحسم التسوية قريباً؟ اردوغان ينتظر ثمن ما في سوريا: هل تكون حلب الجائزة؟