منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، ومع دخول المقاومة الإسلامية اللبنانية على خط المواجهة والإسناد دعماً للشعب الفلسطيني ومقاومته، تصدّر مفهوم الردع المشهد السياسي والعسكري. هذا المفهوم، الذي يُفترض أن يكون أداة لإدارة الصراع، تعرّض لتشويه متعمد من قبل بعض الأطراف التي تسعى إلى تصوير المقاومة على أنها عاجزة عن تثبيت قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي. لكن الوقائع أثبتت عكس ذلك تماماً، فالمقاومة نجحت بذكاء استراتيجي في إعادة تثبيت قواعد الردع، لتُجبر إسرائيل على مراجعة حساباتها.
في جوهره، الردع لا يعني منع العدو من الهجوم بشكل كامل، بل تكمن قوته في إجباره على دفع ثمن باهظ لأي اعتداء. حيث حاول البعض اختزال الردع في قدرة المقاومة على منع إسرائيل من استهداف لبنان، متجاهلين أن الردع الحقيقي يتجسد في القدرة على التهديد الفعّال وتنفيذ هذا التهديد عند الحاجة. وهذه استراتيجية متكاملة أرساها الشهيد السيد حسن نصر الله وأكملها الشيخ نعيم قاسم، حيث تقوم على التهديد العلني الواضح، ثم التنفيذ إذا تجاوز العدو الخطوط الحمراء. وهذا ما حصل بالفعل، عندما استهدفت إسرائيل العاصمة بيروت، جاء الرد سريعاً ومباشراً على تل أبيب، مما أكد جدية المقاومة في فرض معادلة الردع في هذا الصراع. وهنا أثبتت المقاومة اللبنانية أن الردع لا يُقاس بتوازن القوة المادية فقط، بل بالتأثير النفسي والإستراتيجي الذي يُحدثه، حيث إن صاروخاً واحداً يسقط في قلب تل أبيب، يحمل أثراً نفسياً ومعنوياً قد يفوق مفعول الغارات الإسرائيلية على بيروت.
في الضفة المقابلة، «إسرائيل» التي طالما اعتمدت على منظوماتها الدفاعية والصاروخية المتطورة وتبجحت بها، وجدت نفسها عاجزة عن حماية عمقها الاستراتيجي أمام صواريخ المقاومة مع إصابة هذه الصواريخ تل أبيب ومدن أخرى، وهنا نعود إلى المنحى التبسيطي للبعض عند الحديث عن الردع، حيث إذا تبنينا هذا المفهوم، نجد أن إسرائيل نفسها فشلت في تحقيق الردع، إذ لم تتمكن من منع المقاومة من استهداف تل أبيب وشل حركة وسط «إسرائيل» وشمالها. غير أن حقيقة الوضع أنها عجزت عن منع حزب الله من فرض معادلة الردع. هذا العجز في كسر هذه المعادلة جعل القيادة الإسرائيلية تعي أن استمرار المعركة لن يؤدي إلا إلى المزيد من الخسائر، كما كشف زيف ادعاءاتها عن تدمير قدرات حزب الله الصاروخية، ما يجعل تحقيق نصر على المقاومة شبه مستحيل.
هذا وليست التقارير التي تشير إلى أن «إسرائيل» تتجه نحو الموافقة على وقف إطلاق النار مع لبنان سوى نتيجة فورية لمعادلة بيروت-تل أبيب التي فرضتها المقاومة، ما أوصل رسالة واضحة: تكلفة تجاوز قواعد الاشتباك أكبر بكثير من قدرة إسرائيل على التحمل. هذه الحقيقة دفعت إسرائيل إلى الاعتراف ضمنياً بأن استمرار الحرب لن يحقق أي مكاسب، بل سيؤدي إلى المزيد من الخسائر المعنوية والمادية والعسكرية والبشرية لديها.
يتم قراءة الآن
-
تأسيس «المجلس العسكري المسيحي» في سوريا: «مظلة» الدولة لا تقي
-
ربط نزاع بين الحكومة والثنائي الشيعي بانتظار 31 آب هل حصل سلام على تطمينات اميركية بالتمديد لليونيفيل دون تعديلات؟ حزب الله ضد اي تحرك في الشارع وتنسيق مع الجيش لضبط الاوضاع
-
الخلفيات الخطرة للمشهد اللبناني
-
هل تسير العلاقة بين جنبلاط و"الثنائي" نحو الفراق؟
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:25
مصادر عسكرية لـ"الجديد": الجيش اللبناني ينفذ انتشاراً في كل المناطق التي من الممكن أن تشهد تحركات شعبية من بعلبك الى الجنوب مروراً ببيروت والضاحية مع اصرار الجيش على عدم قطع الطرقات خاصة طريق المطار
-
22:20
مسيرات احتجاجية رفضاً لقرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة في البقاع الأوسط مع انتشار لعناصر الجيش اللبناني في المنطقة
-
22:15
الجيش اللبناني يقفل حاجز عين الدلب - شرق صيدا بالإتجاهين ويقطع طريق المية ومية شارع الهمشري
-
22:12
القناة 12 عن مسؤول "إسرائيلي": لا نستبعد العودة إلى المفاوضات بشأن صفقة جزئية في إطار خطة ويتكوف
-
21:45
وسائل إعلام "إسرائيلية": تظاهرة حاشدة في "تل أبيب" احتجاجاً على قرار "الكابينت" احتلال مدينة غزة
-
21:37
الجديد: جلسات مجلس الوزراء ستتوقف في الأسبوع الثالث من شهر آب بسبب عطلة المديرين العامين في القصر الجمهوري والسراي الحكومي على أن تُستأنف نهاية هذا الشهر
