اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ما خطّته الحرب بالدم في سجلات الزمن، وما سيبقى أبد الدهر خالداً في ذاكرة الأمة، ليس تلك الكلمات البراقة التي تُطلق عبثاً هنا وهناك، ولا التصريحات المزيفة التي يرددها المتملقون من أبراجهم العالية. بل هو دم الأبطال الذين سقطوا في ساحات الشرف، دفاعاً عن الأمة، عن الوطن، عن الشعب، وعن الحياة ذاتها. أولئك الذين جعلوا من أجسادهم حصناً منيعاً يحمي الوطن، وتركوا وصية مكتوبة بالدم: احفظوا هذه الأرض التي ارتوت بدمائنا، واحملوا أمانتها بصدق وإخلاص.

هؤلاء الأبطال لم يكونوا مجرد أسماءٍ عابرة في نشرات الأخبار أو عناوين التقارير. بل هم من كتبوا بدمائهم الحارّة صفحات المجد، وصاغوا بآلامهم ملحمةً تعجز الكلمات عن وصفها. في صمت استشهادهم تعلو صرخات العزة والكرامة، وفي سقوطهم يولد فجر جديد لوطن أرادوا له أن يبقى شامخاً. كانوا الأيدي التي حملت الوطن على أكتافها، والقلوب التي نبضت بإيمان راسخ بعدالة القضية وقدسيتها، قلوب لا تعرف التردد ولا الانهزام.

علينا نحن الأحياء أن نقف في حضرة هذه التضحيات بوقار، أن نتأمل عظمة ما قدموه، وأن نحفظ وصيتهم التي كتبوها بالدماء. علينا أن نتعلم من سيرهم دروس الوفاء والشجاعة والكرامة، وأن نخطو على خطاهم بثبات ويقين. فإن كان الزمن يمضي ولا يعود، فإن ذكراهم ستبقى خالدة كالشعلة التي تضيء دروب المستقبل، تقود كل من يسعى لبناء وطنٍ يليق بعظمة تلك الأرواح التي وهبت حياتها لأجله.

غداً، تعود السياسة في لبنان إلى زواريبها وأزقتها الضيقة، حيث المصالح الصغيرة والاعتبارات الضيقة تعلو فوق كل قيمة. غداً، تعود الوجوه المزيفة التي اختفت في لحظات المحنة، لتصعد من جديد إلى الشاشات، تتحدث عن الوطنية والعيش المشترك، وهي لم تعرف يوماً معناها. غداً، يعود المتملقون والمنافقون إلى المنصات، أولئك الذين غابوا حين كان الوطن يئن تحت وطأة العدوان والجراح.

أما في ميادين المواجهة، فقد كانت المقاومة حاضرة بقادتها وأبطالها. من القائد التاريخي السيد حسن نصرالله، إلى السيد هاشم صفي الدين، إلى الحاج محمد عفيف ورفاقه من رجال الله، وقفوا في وجه العدو بصدورٍ عارية، تحميها عقيدة راسخة وإيمان عميق بعدالة القضية. لم يحتاجوا إلى ضجيج الخطابات ولا إلى بهرجة الإعلام، بل كانوا هناك حيث يجب أن يكونوا، يواجهون الاحتلال بشجاعة وعزم.

لكن السؤال الأكبر: هل نستطيع أن نستخلص العبر مما حدث؟ هل نملك الشجاعة لنبني وطناً على أسس صلبة، وطن تحكمه القيم الحقيقية، لا المصالح الضيقة؟ أم أننا سنعود مرة أخرى إلى دوامة المنافقين والمتملقين الذين يستغلون آلام الناس لتحقيق مكاسبهم الشخصية؟

عسى أن تكون الدماء التي سالت بذرة لوطن يستحق الحياة. وطن لا يترك مجالاً للمنافقين، وطن يحفظ كرامة شهدائه ودماء أبطاله، وطن يبنى على الحق والعدالة والوفاء. لأن المجد، كما علمنا هؤلاء الأبطال في ميادين المواجهة، لا يُصنع بالكلمات الفارغة، بل يُخلّد بالأفعال التي تحفر بصمتها في وجدان التاريخ، وتبني مستقبلاً يليق بتضحياتهم.

الأكثر قراءة

«اسرائيل» تعربد جنوبا: سقوط الضمانات الدولية واستفزاز للمقاومة وقف النار يهتز في وادي الحجير وحكمة حزب الله لن تستمر طويلا؟ «اختبار» رئاسي لقائد الجيش في الرياض «والقوات» تنتقد المعارضة