اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

تشهد سوريا اليوم مرحلة حرجة وخطرة تهدد استقرارها ووحدة أراضيها، حيث سيطرت الفصائل المسلحة على مناطق ومدن استراتيجية، مثل حماة وحلب وبقية محافظة إدلب، مما يمثل خطراً غير مسبوق على وحدة الدولة السورية وأمنها القومي، كما يشكل تحدياً وجودياً لمحور المقاومة بأكمله. وإذا كان هذا التهديد يتسع ليشمل مناطق جديدة مثل حمص ودمشق، فإن ذلك يكشف عن خطة ممنهجة رسمتها القوى الأطلسية و «إسرائيل»، تهدف إلى تفكيك محور المقاومة واستنزافه عبر استهداف مكوناته بشكل منفصل ومتتالٍ.

لقد دفع لبنان ثمناً باهظاً بعد غزة، إذ واجه عدواناً «إسرائيلياً» وحشياً منذ شهر أيلول حتى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، في حين يبدو أن سوريا اليوم تحمل العبء الأكبر من هذا المخطط العدواني.

هذه السلسلة من الأحداث تُظهر بجلاء أن ما يجري ليس وليد اللحظة، بل هو جزء من مشروع استراتيجي أُعدّ له مسبقاً بعناية. وأبرز دليل على ذلك هو الهجوم المنظم الذي شنته الفصائل المسلحة الإرهابية على المدن السورية، وهو هجوم يستحيل الإعداد له في غضون أسابيع أو أشهر، إذ يتطلب سنوات من التخطيط والتدريب المكثف. هذا الواقع يعزز القناعة بأن مصير المنطقة كان مرسوماً مسبقاً، وأن استهداف ساحات المقاومة جزء لا يتجزأ من استراتيجية بعيدة المدى، تسعى إلى إعادة تشكيل الخارطة السياسية والجغرافية، بما يخدم مصالح الاحتلال «الإسرائيلي» وأطماعه.

الهجوم على سوريا، وما سبقه من مجازر إبادة في غزة وعدوان شرس على لبنان، يؤكد أن مواقف الأطراف المقاومة، سواء شاركت في دعم المقاومة الفلسطينية بشكل مباشر، أو اختارت النأي بنفسها عن الإبادة التي تعرضت لها غزة، لم تكن لتغير في طبيعة المخطط المعد سلفاً. فقد كان واضحاً أن استهداف محور المقاومة لا يرتبط بحدث بعينه أو برد فعل محدد، بل هو جزء من مشروع يسعى للهيمنة على المشرق العربي.

وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» بعد استشهاد السيد حسن نصرالله أن الطائرات الحربية «الإسرائيلية» كانت على وشك تنفيذ غارة تستهدف موقعاً حددته الاستخبارات العسكرية «الإسرائيلية» «أمان» كمكان وجود السيد حسن نصرالله، بعد أيام قليلة من السابع من أكتوبر 2023. لكن تلك الغارة ألغيت بطلب من البيت الأبيض، وفقاً لما صرح به أحد المسؤولين «الإسرائيليين» للصحيفة، هذا المعطى يشير الى أن الحرب على لبنان كانت قادمة لا محالة، وأن التدخل الأميركي جاء فقط لتأجيل لحظة المواجهة الكبرى، انتظاراً للظروف المناسبة.

وفي ظل هذه المعطيات الخطرة، تتواتر التقارير التي تشير إلى أن «إسرائيل» تُعد لعملية عسكرية في جنوب سوريا، قد تهدف إلى ضم أجزاء جديدة من الأراضي السورية إلى الجولان المحتل. التحشيد العسكري المتزايد في تلك المنطقة، لا يمكن تفسيره إلا كجزء من خطة تسعى إلى فرض واقع جديد على الأرض، يقوض وحدة سوريا ويدفع بها نحو مزيد من التفكك. مثل هذه الخطوة، إن وقعت، ستكون تصعيداً خطراً من شأنه أن يهدد استقرار المنطقة بأسرها، ويضع محور المقاومة أمام تحدٍ وجودي غير مسبوق.

إن سوريا تواجه اليوم خطراً وجودياً يتجلى في شبح التقسيم والزوال، وربما اندثار الدولة التي نشأت على أنقاض السلطنة العثمانية والانتداب الفرنسي. هذا الخطر الداهم يستدعي من محور المقاومة أن يكون في أعلى درجات الجهوزية، إذ إن أي تهاون أو تأخير في مواجهة هذه التحديات، سيضع المنطقة برمتها تحت الهيمنة الأميركية – «الإسرائيلية» الكاملة، وسيُحدث تغييرات جذرية في تكوينها الجيو- سياسي، بما يخدم مصالح الاحتلال وأطماعه التوسعية.

هذا المشهد المتشابك يفرض على محور المقاومة أن يرتقي إلى مستوى التحدي، من خلال استراتيجية شاملة وموحدة، تتجاوز الحلول الجزئية والمواقف المترددة. فلا بد من تنسيق الجهود وتركيز الطاقات لضمان صمود هذا المحور في مواجهة المخططات المرسومة.

إن صراع اليوم هو صراع وجود ومصير، ولم يعد يقتصر على مواجهة تقليدية أو نزاع في ساحة بعينها، بل أصبح معركة شاملة تهدف إلى القضاء على محور المقاومة.

إن اللحظة الراهنة هي لحظة مفصلية، تتطلب رؤية عميقة وإرادة صلبة ترتكز على الوعي بالمخاطر المحيطة، والعمل على إعادة ترتيب المعادلات بما يضمن استقرار المنطقة ويحفظ كرامة شعوبها، ويُبقي مشروع المقاومة حياً في مواجهة المشروع الصهيوني للهيمنة والتوسع.

الأكثر قراءة

ماكرون يُـنسق مع بن سلمان لمنع «تفخيخ» انطلاقة العهد لقاء بري ــ سلام : «الابواب غير مقفلة» امام التفاهمات ادعاءات جديدة في تفجير المرفأ والقرار الظني في نيسان؟