اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


هنا لسنا أمام الثيران المجنحة في الميتولوجيا البابلية ولا في الميتولوجيا الاغريقية. انها الثيران المجنحة الاسرائيلية التي لم يتورع قائد سلاح الجو الجنرال تومار بار عن وصفها بـ "أجنحة يهوه". أكثر فاعلية بكثير من أن تكون أجنحة الملائكة .

الثيران المجنحة التي تؤجج حالة الجنون لدى أهل السياسة في تل أبيب. ولكن ليس يهوه من بعث بها اليهم. هي أميركا التي يسأل المؤرخ الاسرائيلي آفي شلايم ما اذا كانت أميركا قد حلت محل يهوه (رب الجنود) في النص التوراتي. ولكن كيف لدولة أن تذهب باستراتيجياتها المجنون الى ذلك الحد، حين تكون عناصر قوتها مستوردة من الخارج؟ أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد يرى في ذلك "الطريق الى المحرقة"، ليرثي مصير اليهود في حال ذهبت أميركا، وبفعل تقلبات الأسواق، وتقلبات الأزمنة، في اتجاه آخر .

شلايم توغل بعيداً في تاريخ الأمبراطوريات التي غالباً ما تشبه الفيلة في صياغة سياساتها. لكن الفيلة لا تسير في خط مستقيم، وكثيراً ما تتعثر، أو تسقط، وسط الأدغال. "الرهان الأعمى على أميركا رهان الحمقى"، لبقول "تلك القاذفات التي تحفر القبور في السماء، وفي الأرض، انما تحفر قبورنا".

دونالد ترامب العائد بأوركسترا الضباع الى المكتب البيضاوي،  يتطابق في الرؤية، وفي الرؤيا، مع بنيامين نتنياهو في كون التغيير الكلي في الشرق الأوسط  لا يقتصر على احتواء غزة ولبنان وسوريا (احتواء الدول الأخرى تحصيل حاصل). لا بد من احتواء ايران، وان لوحظ تراجع التأثير الايديولوجي على السياسات الخارجية. رئيس الحكومة الاسرائيلية يفكر بالضربة النووية. في اعتقاده أن دونالد ترامب لا يعترض على ذلك، وهو الذي يتصرف، خلال ولايته الرئاسية، كقائد يطمح الى أن يوصف بأهم رئيس للولايات المتحدة، أي أهم من جورج واشنطن، وابراهام لنكولن، ووددرو ويلسون، وبطبيعة الحال فرنكلين روزفلت !

لكن اذا كانت القنبلة النووية ممنوعة أمام الرئيس الأميركي، هل هي ممنوعة على رئيس الوزراء الاسرائيلي؟ ترامب فكر مرة بتوجيه ضربة نووية الى كوريا الشمالية، ولكن ليواجه برفض قائد القوات الاستراتيجية الجنرال جون هايتن دخوله الى الغرفة النووية لأن الحيثيات القانونية تحول دون ذلك. اذا فوجئ ترامب، وهو الذي تحدث مستشاره السابق ستيف بانون عن "الضجيج الذي في داخله"، ما لبث أن زار  كيم جونغ ـ أون عند المنطقة العازلة بين الكوريتين. كان اللقاء "أخويا"، مع دعوة شخصية الى الزعيم الكوري الشمالي، بقضاء ليلة حمراء، في البيفرلي هيلز .

اذاً... مسلسل الزلازل، في منطقة قال هيرودوت، منذ 2500 عام، انها تقع على خط الزلازل، ما يفترض، تلقائياً، رقعة شطرنج جديدة. في هذه الحال، ما هي الحجارة التي ستسقط، وما هي الحجارة التي ستبقى. في الظل كلام على أن روسيا يمكن أن تخلي قاعدتها الجوية في "حميميم"، وقاعدتها البحرية في طرطوس (قبل ارغامها على ذلك). الأمواج العاتية حلت محل المياه الدافئة التي حلم بها بطرس الأكبر. الآن من يمسك بمفاتيح الدردنيل هو نفسه الذي يمسك بمفاتيح القصر في دمشق. هذا زمن قد يحني القيصر رأسه أمام السلطان ...

هل يعمل رجب طيب اردوغان لحسابه الخاص (وهذا المستحيل) أم لحساب أميركا، وحتى لحساب اسرائيل؟ لا بد للأتراك أن يكتشفوا، مثلما اكتشف الايرانيون (ولكن بعد فوات الأوان)، مدى عبثية اللعب الجيوسياسي في منطقة ملحقة، منذ عهد دوايت ايزنهاور، بالأمبراطورية الأميركية، ليقال أن روسيا تبيع في سوريا وتشتري في اوكرنيا، بـ "صفقة الأشقاء" بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.

هذا ما يثير مخاوف الألمان الذين يكرهون الرئيس الأميركي المنتخب، وكم ازدرى المستشارة انغيلا كيرمل، وكاد يمنع سيارات المرسيدس من دخول الأسواق الأميركية. لا قاطرة أوروبية ما دامت هناك القاطرة الأميركية التي تقود العالم .

ما حدث حتى الآن من كوارث. كوكتيل الكوارث (لكأنها النكبة الكبرى) ليست سوى المدخل، وعلى سجادة حمراء، الى مشهدية جديدة في الشرق الأوسط. فريق دونالد ترامب، بالوجوه وبالأفكار المكفهرة، هو من يتولى عملية ترتيب الحجارة على رقعة الشطرنج. لا دولة قطعاً خارجة على القانون ـ القانون الأميركي ـ  في المنطقة .

لهذا دعوة البعض على الساحة اللبنانية الى تأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 9 كانون الثاني، بعدما كان يستعجل اجراء هذا الاستحقاق الرئاسي اليوم وليس غداً. باعتبار أن عيون الفريق اياه لا بد أن تتركز على وجه المرشح  "الأميركي" (الأميركي فقط؟). ولكن أي من المرشحين، وبينهم من لا يصلح بواباً للقصر، ليس أميركياً؟

لكنه الشرق الأوسط، ولكنه لبنان.  الجنرال البارز ديفيد بترايوس الذي رأى في الخروج من أفغانستان ـ وقلنا ذلك أكثر من مرة، الخروج من "استراتيجية المستنقعات"، يدرك بدقة أي تضاريس تاريخية، وايديولوجية، تحكم الشرق الأوسط الذي شهد غروب العديد من الأمبراطوريات. آرنولد توينبي قال "هناك ولد، وهناك يموت، التاريخ" !!

الأكثر قراءة

روسيا تبيع في سوريا وتشتري في أوكرانيا