اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لا نتصور أن ثمة دولة في العالم تشهد مثل هذا الضجيج السياسي، والاعلامي، احتفاء بالحدث السوري، بالرغم من الهوية الملتبسة، وحتى المخيفة، لنجوم التغيير. هل نبالغ اذا قلنا اننا تجاوزنا، في أدائنا، من يحترفون التهريج على خشبة الدرجة الثالثة، ودون أن ننفي ما فعلته الأجهزة الأمنية من فظاعات. صباح أمس قرأت، في مجلة "لو نوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية، مقابلة مع الصحافية السورية نعمة العلواني التي قضت 8 أشهر في زنزانة مساحتها لا تتعدى المتر الواحد. قالت " الكائن الحي الوحيد الذي كان معي في ذلك التابوت عنكبوت كنت أتحدث معها"، دون أن يعني ذلك اغفال الفظاعات الأشد هولاً التي ارتكبها ذلك النوع من الاسلاميين.

هل ترانا ـ أيها السادة المحتفون ـ نسينا، أو تناسينا ما فعله بطل التحرير في سوريا أبو محمد الجولاني بجنودنا في السفوح الشرقية؟ نعلم ما فعله رعاة الحرب في سوريا بتغيير"لوك" الرجل. ولكن هل استطاعوا تغيير رأسه، وتغيير بنيته السياسية والايديولوجية ؟ مهزلة أن نقرع الطبول، أو نقرع الأجراس لهذا الرجل الذي ندرك الى أي مدى مبرمج تركياً وربما اسرائيلياً.

لم نر سياسياً أو اعلامياً أردنياً، أو عراقياً، أو اسرائيلياً (كتعبير عن سذاجتنا) يسأل أي أردن أو أي عراق أو أي اسرائيل بعد سوريا؟ عندنا الكل يسأل "أي لبنان بعد سوريا؟ ".

نعلم ما مدى العلاقة العضوية، تاريخياً وجغرافياً، بين لبنان وسوريا. غير أن بلاد الشام مثلما تضم سوريا، تضم لبنان والأردن والعراق وفلسطين، وحتى أجزاء من السعودية. لكننا الجمهورية التي بنيت بمواصفات الغرفة الزجاجية المكشوفة للعيون الحمراء، وللعيون الصفراء، ودون أن يكون هناك من مؤشر، بعد سلسلة الكوارث التي عشناها في هذه العام الآيل الى الغروب، على أن يكون هناك لبنان، وأن نكون اللبنانيين، لا القهرمانات في هذا البلاط أو في ذاك البلاط.

هل تناهى اليكم، يوماً، مصطلح "استراتيجية الهلهلة"، كوجه من وجوه "ثقافة التفاهة". هذا ما جعل سفير احدى دول اللجنة الخماسية يكتشف "الأعجوبة اللبنانية" في منطقة تضج بالعجائب والأعاجيب. قال ان ثمة جانباً مضيئاً للحرب بين لبنان واسرائيل كنقيض للجانب الكوارثي. لولا هذه الحرب لكانت الحرب الأهلية على وشك الانفجار، لتضع لبنان على خط النهاية مادام هناك من خطط لتلك اللحظة. عود ثقاب على كومة القش التي هي اختزال لحالنا.

ولولا تلك الحرب لما سقط النظام في سوريا. لا أحد هناك بدا معنياً بكلامنا أكان مباشراً أم كان عبر مقالات "الديار" رؤوس من التنك، وفي منتهى الضحالة، لتدرك الى أي مدى يمكن أن تصل التفاعلات الجيولوجية داخل المجتمع السوري، ان بالضائقة الاقتصادية، والمعيشية، أو باسشراء الفساد على نحو مدمر (اسألوا عن ثروات رؤوساء الأجهزة). هكذا وقع الزلزال ليتغير وجه سوريا. كل الدلائل تؤكد على الوجه العثماني.

ألأعلام التركية تجوب شوارع مدينة لبنانية. لا مشكلة، وقد رفعنا كل أعلام الدول، بما فيها نجمة داود. لنعود ونشير الى أن من ينتشرون الآن في سوريا، وبالعصا التركية، اياهم الذين دفنوا جنودنا أحياء في جرود عرسال، ومن خططوا لتحويل لبنان الى ولاية من ولايات الخليفة العثماني، ليثير ذهولنا كلام بعض ساستنا عن أن المشهد اللبناني سيتغير كلياً في ضوء التطورات السورية، والى حد القول ان من سيشق الطريق الى قصر بعبدا في 9 كانون الثاني المقبل عليه أن يمتلك الجرأة اللازمة لكي يصافح بنيامين نتنياهو الذي لم يعد على أبواب دمشق، وانما في قلب دمشق.

السوريون الان أمام الاختبار الكبير. حتى المعلقون الغربيون يقولون ذلك. المسألة لا تنحصر في برمجة المراحل للتوصل الى الجمهورية الجديدة، بدستور جديد، وبمجلس للنواب، يغص باصحاب اللحى. الجيس السوري تحول الى حطام، وعلى مختلف المستويات. لسنا فقط أمام دولة منزوعة السلاح (أمام العيون، والآذان، المقفلة لأركان السلطة، تمت ازالة أي أثر للمؤسسة العسكرية في سوريا)، بل دولة لا تستطيع حماية أمنها الاستراتيجي، ليتكفل ذلك رجب طيب اردوغان من الشمال وبنيامين نتياهو من الجنوب.

سوريا، ومنذ الاستقلال لم تواجه مثل هذا النوع من العار. ولكن من يعرف ما هي الروح السورية التي انكسرت ابان الحروب اللولبية التي جرت على أرضها، يعرف أن سوريا لا بد أن تكون مقبلة على زلزال آخر على التوقيت السوري، وليس على أي توقيت آخر.

"استعدوا يا شباب لزيارة دمشق". قالها نائب بيروتي لبعض زملائه من الخط ذاته. نصيحتنا، اذا كان يتوق للعبور الى السرايا، أن يتوجه الى اسطنبول، حيث الباب العالي، لنقول ولو مرة نظرنا، بانورامياً، الى المشهد. اذ يحق لرئيس أحد الأحزاب بتبادل كؤوس الشامبانيا مع نوابه، ومستشاريه، لانتصاره على بشار الأسد، وكذلك ربط الاحزمة للاقلاع نحو القصر الجمهوري، نسأل ما اذا عدنا الى زمن آرييل شارون؟

في ضوء حالات الضجيج والتهريج، نصيحة من الاليزيه بالهدوء، واعادة ترتيب البيت اللبناني، بمنأى عن الرهانات الدونكيشوتية، لأن ما حدث في سوريا خطر، ويتعلق بمستقبل الشرق الأوسط. المرحلة المقبلة ينبغي أن تكون مرحلة اعادة الانتظام الدستوري، والسياسي، وحتى المالي، فلا تجعلوا من لبنان ضحية صراع الديكة، حين يمكن أن يحتدم في المنطقة صراع الفيلة !!

الأكثر قراءة

الدخان الابيض في 9 كانون الثاني؟ صيغة لا غالب ولا مغلوب تحكم المرحلة المقبلة رئاسيا وحكوميا مرحلة انتقالية وانتخابات نيابية وبلدية وتعيينات شاملة... والقلق من سوريا