اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


بين الخوف والقلق، وبين الكوابيس التي لا تنتهي، والأرق الذي يستنزف الأجساد، يعيش آلاف اللبنانيين معاناة نفسية حادة بعد انتهاء العدوان "الاسرائيلي" على لبنان. "الديار" استمعت إلى روايات من قلب الألم، حيث تتجلى أصداء الحرب في كل تفصيل من يوميات المتضررين.

تروي ريما، وهي من سكان منطقة البقاع التي تعرضت للقصف العنيف لـ"الديار": "أستيقظ ليلاً مفزوعة، وكأن الصواريخ تسقط من جديد. لا أستطيع نسيان اللحظات التي كنت أبحث فيها عن مكان آمن لأولادي. أصبحت أتجنب النوم، لأن كل مرة أغمض عيني، أجدني وسط الحطام من جديد". وتضيف أنها لجأت إلى أدوية مهدئة لتتمكن من النوم، لكنها تشعر بأنها أسيرة لهذه الأدوية التي أصبحت جزءًا من يومها.

أما نادين، التي فقدت قريبًا لها خلال الحرب، فتقول: "لا أجرؤ على المرور من أمام أي مبنى مدمر. كل زاوية في الحي تذكرني بمن رحلوا. أشعر وكأن الحياة توقفت عند تلك اللحظة". وتتابع: "أخضع لجلسات علاج نفسي مرة كل شهر، لكنني بحاجة إلى المزيد. للأسف، وضعي المادي لا يسمح لي بمتابعة العلاج كما يجب".

 

الخوف المزمن... ظلال الحرب تطارد الجميع

تحدثت مها، التي تعمل في شركة صغيرة لـ"الديار" عن خوفها المستمر: "أعيش كأن الحرب قد تعود في أي لحظة. كل صوت مرتفع يجعلني أرتعد، وكل إشاعة عن خطر قريب تعيدني إلى حالة الهلع. أشعر أنني فقدت السيطرة على مشاعري تمامًا".

ويوضح أحد المعالجين النفسيين لـ"الديار" أن "هذه الأعراض شائعة جدًا بين الناجين من الأزمات الكبرى"، مشيرًا إلى أن "الاضطرابات النفسية قد تتفاوت بين فرد وآخر. البعض يتغلب على الصدمة مع مرور الوقت، لكن آخرين قد يعانون من أعراض مزمنة إذا لم يحصلوا على الدعم اللازم".

ولم تقتصر آثار الصدمة النفسية على المشاعر فقط، بل امتدت لتظهر في أعراض جسدية مرهقة، حيث يقول المعالج: "الحرب لا تؤثر فقط على العقل، بل تهاجم الجسد أيضًا. ومن الأعراض الشائعة بين المرضى: الإرهاق المستمر، اضطرابات الجهاز الهضمي، التشنجات العضلية، الصداع المزمن، وحتى فقدان الشهية".

ارتفاع ملحوظ في استهلاك

المهدئات والجلسات العلاجية

بحسب بعض الصيادلة في لبنان إلى أن نسبة استهلاك المهدئات وأدوية الأعصاب ارتفعت بأكثر من 70% خلال فترة الحرب، وما زال الطلب مرتفعًا حتى الآن. بعض الصيدليات أفادت بنقص في الأدوية النفسية نتيجة الإقبال الكبير عليها.

أما في مجال العلاج النفسي، أكد أحد الأخصائيين أن عدد الجلسات تضاعف بعد الحرب، "هناك ارتفاع بنسبة 50% في الإقبال على العلاج النفسي. المرضى من كل الأعمار، بما في ذلك الأطفال الذين عاشوا لحظات فقدان أو نزوح. كثيرون يبحثون عن تفسير لحالتهم النفسية، ويتساءلون إن كان ما يمرون به أمرًا طبيعيًا".

ورغم الصورة القاتمة، يشدد المعالجون النفسيون على أن التعافي ممكن مع الوقت والعلاج المناسب. ويضيف أحدهم: "التجارب الصادمة تترك أثرًا، لكنها لا تسرق الأمل. الدعم النفسي والتكاتف الأسري والمجتمعي يلعبان دورًا كبيرًا في إعادة بناء الحياة".

فالحرب تركت ندوبها في نفوس اللبنانيين، لكنها لم تفقدهم الأمل في تجاوز المحنة. تبقى المعالجة النفسية خطوة أساسية لإعادة بناء مجتمع أكثر تماسكًا وقدرة على مواجهة الأزمات.

الأكثر قراءة

سلام متمسك بصلاحياته: لست «ليبان بوست»... عقبات امام التأليف؟ التعيينات الأمنية على نار حامية... هل تبدأ المداورة من المراكز الهامة؟ ماكرون لفريقه: مؤتمر لإعادة الاعمار في بيروت بحضور دولي