اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


نقيب المحامين السابق في بيروت

تمر في تاريخ الأوطان والشعوب والمؤسسات شخصيات مميزة علمياً وفكرياً وإنسانياً واجتماعياً. وتترك بصمات لا تمحى بمرور الزمن.

من هذه الشخصيات معالي وزير الدفاع والتربية، ونقيب المحامين سابقاً المرحوم عصام فؤاد الخوري.

لو أردنا الكتابة عن معاليه كما يفعل البعض، لعدنا الى كتاب ابن خلّكان في رثاء الاعيان، واخترنا اجمل العبارات، او لبعض مقالات الرثاء التي تنطبق على معظم الراحلين. إلا اننا سوف نكتب كلمة من القلب الى القلب ومن العقل الى العقل، بأسلوب السهل الممتنع، وببساطة كلية.

معالي النقيب عصام فؤاد الخوري، إبن بلدة الحدت في جبل لبنان – بعبدا – هو ابن النقيب المرحوم فؤاد الخوري الذي وصل الى اعلى المناصب التي يمكن ان يصل اليها مواطن اورثوذكسي في لبنان، كما يقول في احد مؤلفاته. درس الحقوق في جامعة القديس يوسف – اليسوعية – وتزوج من رفيقة صفه في الجامعة المحامية المرحومة مارسيل عون، التي كان لها محبة خاصة في قلوب جميع من عرفها. ومارس المحاماة وانتخب عضواً ثم نقيباً للمحامين، وعُين في عهد فخامة الرئيس الشيخ امين الجميل وزيراً للتربية وللدفاع. لم يرزقه الله اولاداً، إنما كان يتعامل مع الجميع كأولاده فعلاً لا قولاً. بمحبة وعاطفة وإرشاد ومتابعة.

وكان معالي النقيب مثابراً ومتابعاً لجميع نشاطات النقابة والمحامين. حضر مرة الى إحدى جلسات مجلس النقابة بناء على طلبي. وما ان جلس حتى ردد بيت الشعر الذي نظمه الشيخ امين تقي الدين، "وعدنا للصبا لما دعينا".

وكان يزور النقابة مرتين في الاسبوع، ويتحلق اعضاء مجلس النقابة ولجنة التقاعد والمحامون حوله، يروي لهم اخباراً وذكريات من الماضي، ومشجعاً إياهم على العمل الدؤوب من اجل رفعة النقابة والحفاظ على دورها الريادي. كما كان يدعو دائماً الى الإلفة والمحبة والترفع عن الصغائر وعن النكايات والضغينة والحسد. فيحس من يستمع اليه بالارتياح والطمأنينة من قبل رجل مثقف وحنون ووطني جامع ومترفع عن الصغائر.

والمهم في مسيرة النقيب الخوري، هو هذا الفكر الراقي الذي يجمع ولا يفرق، وهو ما ينم عن اصالة حقيقية غير مزيفة ولا مصطنعة. وهو الذي كان يدعو دائماً لوحدة النقابة التي تؤدي دوراً وطنياً واجتماعياً جامعاً. فهو ينظر الى الامور ببعد نظر وبعمق بعيداً عن الشعبوية والانفعال.

أما كتاباته، فحدّث ولا حرج: عمق في الافكار، تحليل واقعي، سلاسة في الاسلوب، تسلسل في الافكار، عمق في التعليل.

في مقدمة كتابه هامات وهالات يقول النقيب الخوري:

من "الحدت" انطلقت...

على تُرابها احيا،

وإليها اعودُ.

درستُ، عملتُ، سافرتُ، احببتُ، تزوجتُ.

مارستُ المحاماة،

انتُخبت نقيباً،

عُينت وزيراً،

كُرمتُ وكَرمت،

وجوهٌ مرت، وجوهٌ سكنتني.

أسماء كثيرةٌ في القلب،

أسماء في الذاكرة.

ومَضَت سنوات...

ماذا تبقى؟

تبقى الكلمةُ...

* *

*

ويوم كان والده النقيب المرحوم فؤاد الخوري على فراش الموت، وطلب منه كتابة مقدمة لكتابه "على رصيف العمر". كتب مقدمة ولا اروع ننقل ما جاء في مقدمتها وفي خاتمتها. فيقول:

"أبي الحبيب،

سألتني ان اكتب مقدمة لكتابك الجديد: "على رصيف العمر"، ووجدتني اكتب إليك رسالة.

المقدمات، يا أبي، محاولات للتعرف والتعريف،

أما الرسائل فكلمات من القلب الى القلب،

وإذا كانت االمقدمات كؤوساً لخمرة الشعر، فاسمح لي، يا أبي، ان اجعل من رسالتي كأساً، لا أُقدمُ خمرتك المعتقة فيها، بل اقدمها لك كأس حب، ساكباً فيها قطرات مما اعطيتني، وما اكرم العطاء يفوحُ من يديك عطراً، وينسكب من شفتيك وقلبك، زاداً ومحبةً وصلاة".

ويختم: "ويا أبي،

كلمة اخيرة اوجهها إليك:

انت اليوم مُمدد على سرير المرضِ والاستشفاء،

ووطني اليوم ممدد على صليب العذاب والقهر والقذائف المجنونة،

أما انا، إزاءك، ففي غصةٍ وحزنٍ، وفي عتبٍ على نفسي:

لم اتعلم منك كفاية القوة على المواجهة والصبر على الشدائد...

فبالله عليك، علمني، ولو بكلمةٍ او نظرةٍ، كيف تكون المقاومة وكيف يكون الانتصار على الحزن والوداع والرحيل.

ويا أبي... أنا احبك".

* *

*

معالي النقيب عصام فؤاد الخوري، موسوعة في رأس رجل. مسيرته، مقالاته، نصائحه، مواقفه يجب ان تدرس للاجيال القادمة. وعلى امل ألا يبخل علينا الزمن بمثله.

الأكثر قراءة

دمشق بين الجيش التركي والجيش "الإسرائيلي"