في أعقاب خطاب القَسَم الواعد لرئيس الجمهورية والآمال الكبيرة المعقودة من اللبنانيين على آفاق العهد الجديد، رأى كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في بنك عودة الدكتور مروان بركات وجوب "التوقف عند القضايا الاقتصادية الرئيسية ذات أولوية، وهي أولاً خفض العجز الخارجي مع استمرار أهمية الاختلالات الخارجية، ثانياً تصحيح المالية العامة التي تمثل نقطة ضعف مستمرة للاقتصاد اللبناني في الوقت الحاضر على رغم التحسن النسبي، ثالثاً التصحيح النقدي اللازم وسط احتياجات التمويل السنوية في العملات الأجنبية، رابعاً إعادة الهيكلة المصرفية اللازمة وتغطية الفجوة المالية، وخامساً تحفيز النمو وخلق فرص العمل، حتى ينتقل الاقتصاد من وضع الركود إلى وضع النهوض في جميع قطاعات النشاط الاقتصادي.
على مستوى القطاع الحقيقي، يقول بركات.
"يُعَد تحفيز النمو وخلق فرص العمل أمراً أساسياً لتلبية المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية للبنانيين بشكل عام. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 38% منذ اندلاع الأزمة في عام 2019. ويشير التحليل الدقيق لمتطلبات القطاع الحقيقي والمالي إلى أن تحفيز نمو الناتج أمر ممكن من الناحية التقنية في المستقبل المنظور، ولكنه يتطلب بيئة سياسية داعمة وإطلاق إصلاحات هيكلية من شأنها أن تساعد في تحفيز الطلب على السلع والخدمات، وتعزيز الميزات التنافسية للاقتصاد اللبناني إلى جانب تعزيز عامل الثقة العام".
ويضيف: "إن شروط هذا التعافي المأمول تكمن بالتأكيد في الإرادة السياسية الداخلية خلال العهد الجديد، وإعطاء الأولوية للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وأجندة إصلاح جذرية، وصحوة ضمير لدى العملاء الاقتصاديين المعنيين بشكل عام. والمفتاح هنا هو تحفيز الطلب الخاص، وخصوصاً الاستثمارات الخاصة، علماً أن الاستثمار له الأثر الأكبر على النمو من خلال التأثير المضاعف للاستثمار. ويحتاج لبنان إلى رفع نسبة الاستثمار الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً انطلاقاً من أدنى مستوى له منذ 30 عاماً والذي يقل عن 10% اليوم. ومن شأن نمو الاستثمار أن يعزز عامل العمالة في النمو الذي يدعو إلى خلق فرص عمل لاستيعاب أكثر من 30 ألف لبناني ينضمون إلى القوى العاملة كل عام".
وعلى المستوى الخارجي، يقول: "إن نموذج مواصلة العجز التجاري الكبير الذي يعتمد على التدفقات المالية الكبيرة ليس مستداما. والأولوية هنا هي إعادة تحفيز حركة الرساميل الوافدة وخفض الواردات وتعزيز الصادرات. ومن الضروري أن تتخذ الدولة تدابير من شأنها تعزيز الإنتاج المحلي على حساب الواردات، أي تحفيز السلع البديلة للاستيراد والمنتجات الموجهة للتصدير في محاولة لتقليص العجز التجاري في لبنان.
أما على المستوى النقدي، فيُشير إلى أن "هناك حاجة إلى استقرار نقدي جذري لتحقيق التعافي الاقتصادي الشامل. هناك حاجة لتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان من خلال سياسة نقدية صارمة اضاقة الى اللجوء إلى المساعدات الخارجية. فلسد الفجوة واستعادة الثقة، يتعين على البلاد أن تلجأ إلى الوعود الخارجية المأمولة. المطلوب هو تأمين تمويل من صندوق النقد الدولي لعشرة أضعاف حصة لبنان البالغة 880 مليون دولار (8.8 مليار دولار) ليتم استعمالها على أساس فصلي ابتداءً من عام 2026. ويمكن أن يتبع ذلك تدفق لاحق للودائع الأجنبية والعربية إلى مصرف لبنان. وبموجب هذا السيناريو، ستشهد احتياطيات مصرف لبنان انكماشاً محتملاً في عام 2025 نتيجة لاحتياجات إعادة الإعمار، ولكنها يمكن أن تبدأ في التعافي بشكل ملائم اعتباراً من عام 2026".
وعلى المستوى المصرفي، وفق بركات، "تتطلب الأزمات القطاعية أساليب متميزة تتجاوز تلك المستخدمة في الأزمات العادية أو أزمات البنوك الفردية. وعلى هذا النحو، تبرز الحاجة الملحة إلى اعتماد خطة إنقاذ اقتصادية ومالية شاملة تعتمد على نهج قطاعي للحلول، يكون مناسبًا لإعادة تأسيس دور القطاع المالي باعتباره الوسيط المالي الرئيسي في البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يحد من الاقتصاد النقدي المتفاقم، وضمان خلق القيمة الاقتصادية المضافة التي تهدف إلى دعم النهضة الاقتصادية في لبنان. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة لخطة حكومية بدعم من صندوق النقد الدولي قادرة على المساعدة في إعادة بناء الثقة في القطاع المالي ".
وعلى مستوى القطاع العام، يقول: يشكّل التصحيح المالي أهمية بالغة، فلا يستطيع لبنان الحفاظ على استقراره النقدي الذي تحقق خلال العامين الماضيين دون إجراء إصلاحات جذرية في القطاع العام. وليس أمام الدولة خيار سوى خفض احتياجاتها التمويلية المالية في المستقبل. ويجب أن يأتي التصحيح المالي من خلال إعادة هيكلة القطاع العام والتقشف في الإنفاق، وتحسين تعبئة الموارد، وسد فجوة التهرب الضرائبي، وإصلاح قطاع الكهرباء، ويتطلب إصلاح قطاع الكهرباء بناء محطات توليد الطاقة اللازمة، وتأمين الكهرباء على مدار 24 ساعة في المدى المنظور، وتعزيز تعرفة الكهرباء وتقليص الخسائر الفنية وغير الفنية، وهو ما سيساعد مؤسسة كهرباء لبنان على تحقيق التوازن. وعلى صعيد الإيرادات، فإن المطلوب هو تعزيز تعبئة الموارد، بمجرد أن تبدأ الحكومة العتيدة بجدية في مكافحة الفساد. بالتوازي مع ذلك، هناك حاجة إلى سد ما يقرب من نصف فجوة التهرب المالي، أي ما يعادل 1.0% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا على مدى فترة السنوات الست القادمة"..
يتم قراءة الآن
-
ما خفي من كلام براك... فضحته "عشاواته"
-
لا حرب... ولا سلم: لبنان في حالة المراوحة القاتلة الرئيس عون يتمسك بالتوازن... جورج عبدالله في رحاب لبنان
-
راقصات الباريزيانا في السياسة اللبنانيّة
-
رسالة أمنية حازمة شمالا... وغياب للمرجعية السنية! الورقة الأميركية مذكرة استسلام ولا مهل زمنية جورج عبدالله يعود اليوم يعد 41 عاماً...
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
22:39
الرئاسة السورية: الشرع أكّد لماكرون أنّ أحداث السويداء نتيجة فوضى أمنية قادتها مجموعة خارجة عن القانون
-
22:38
الرئاسة السورية: الشرع أكد لماكرون أن الدولة ستتحمل المسؤولية الكاملة لفرض الأمن بالسويداء
-
22:35
الرئاسة السورية: اتصال هاتفي بين الشرع وماكرون أكد على إدانة التصعيد الإسرائيلي
-
22:30
الجيش الإسرائيلي: سنحدد ممرات إنسانية للمرور الآمن لقوافل المساعدات الأممية
-
22:29
وسائل إعلام إسرائيلية: "الجيش" يستعد الليلة للسيطرة على السفينة "حنظلة" المتوجهة نحو قطاع غزة
-
22:10
معلومات الجديد عن لقاء بري - سلام: كان مشحوناً لجهة الرسائل الدولية التي حملها سلام من باريس والتي تؤشر إلى أجواء سلبية يعيشها لبنان على المستوى الامني والسياسي على حد سواء
