اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


أما آن للشيعة أن يستريحوا من آلامهم؟ لا ندري ما اذا كان التاريخ (ولا نقول الله) قد أرهقهم أم هم أرهقوا التاريخ (ولا نقول الله). بعدما رأوا في أنفسهم الثورة، بالنهايات التراجيدية دائماً، والسنّة أهل السلطة. لا بأس من الناحية الأخلاقية أو السياسية أو الدينية، لكن زمن الثورات انقضى، كذلك زمن القضايا ـ القضايا الكبرى ـ وحتى القضايا الصغرى.

ولكن متى تعامل الغربيون، على ضفتي الأطلسي، مع العرب ككائنات بشرية؟ هذا بداً جليّا في المؤتمرات التي عقدت ابان الحرب العالمية الأولى أو بعدها، وحيث تم تقطيع التركة العثمانية بالسكين. ولكن ليشكل لبنان الاستثناء. ذلك الكوكتيل البشري الذي أضفى عليه الوجود المسيحي نكهة خاصة، بالنظر للتعامل الثقافي، وحتى الروحي، مع الغرب، وان كان أوليفييه روا قد لاحظ "موت الروح " هناك.

الشيعة كانوا دوماً ضحايا دوران الأزمنة، لنسأل كما سأل آرتولد توينبي ما اذا كان التاريخ هو الذي يمتطي ظهر الشيطان أم العكس. انهم ضحايا الجغرافبا أيضاً. الدولة التي من دون سقف تركت الشيعة من دون سقف اذا كان لأحدكم أن يتذكر مجزرة حولا، عام 1948 لتكون المصيبة الكبرى بتسليم مفاتيح الجنوب الى ياسر عرفات الذي كانت تعنيه الدولة (السلطة) ولو على ظهر حمار.

هكذا شقت دبابات آرييل شارون الطريق الى القصر الجمهوري من خلال تلك الكوميديا الثورية، بثقافة الكاتيوشا التي كانت تطلق من داخل القرى، لترد اسرائيل، وتقتل من تقتل، وتدمر ما تدمر. للأشقاء العرب، بالحملة الاعلامية الكاسحة ضد "حزب الله"، وبالدعم المفتوح للقوى السياسية اللبنانية المناوئة له، نقول ان المسؤول عن كل ما حدث في جنوب لبنان هو الدولة التي قامت على أغرب قاعدة فلسفية في العالم "قوة لبنان في ضعفه". لا أحد من العرب الذين أيدوا استيلاء منظمة التحرير على الجنوب، وقف الى جانب المقاومة في لبنان، وقبل، وبعد ظهور "حزب الله"، ما أتاح لايران دخول الى عمق الحالة اللبنانية، بايديولوجيا ثورية، بخلفيات جيوسياسية أو جيوستراتيجية، أمبراطورية، تتوخى الوصول الى ضفاف المتوسط، على غرار ما حدث في القرن الثالث قبل الميلاد، أي أيام السلالة الأخمينية.

ولكن لولا الدعم المالي، والعسكري، الايراني هل كان باستطاعة المقاومة اجتثاث الأقدام الهمجية من الجنوب اللبناني، بعدما كان آلاف الجنود المصريين، في حرب حزيران 1967، يلوذون بالفرار أمام دبابات حاييم بارليف، في صحراء سيناء، وكذلك آلاف الجنود السوريين، أمام دبابات اسحق رابين، من مرتفعات الجولان، اضافة الى آلاف الجنود الأردنيين، أمام دبابات موشي دايان، من القدس والضفة الغربية.

ألم يقل آرييل شارون، في حرب 1973، "لو شئت لوصلت دباباتي الى القاهرة" ؟ لتتوالى سنوات التقهقر، الى أن أصبح العالم العربي كله، ومن المحيط الى الخليج، في قبضة الحاخامات الذين يقيمون الصلوات الآن احتفاء بقرب قيام اسرائيل الكبرى. أي دولة، وأي قوة، تستطيع منعها من ذلك، وبعدما أظهرت التطورات أن لا دور، حتى ولا وجود للعرب، المنشغلين بصراع القبائل، وصراع الطوائف، على المسرح الدولي، أو على المسرح الاقليمي؟

مورغان أورتاغوس كانت تعطي الأوامر في بيروت بالاصبع المرصع بنجمة داود، رمز الدولة العبرية، كما لو أنها الملكة كاترينا، أو الملكة فيكتوريا، أو لكأنها الرديف النسائي، بالرغم من جمالها، لكاليغولا. والآن تبشرنا احدى الشاشات التي تروج لكل ما هو أميركي، ولكل ما هو اسرائيلي، بأن أورتاغوس عائدة للامساك بالملف اللبناني، وهي التي كانت تحث على قطع رؤوس الشيعة، بل وقطع رؤوس كل الذين يرفعون الصوت في وجه اسرائيل، دون أن تخبرنا لماذا أبدل توماس براك، هكذا فجأة، ديبلوماسية القبضة الغليظة بديبلوماسية القبضة الناعمة.

نعلم ما كانت الملابسات الاقليمية وراء "حرب الاسناد"، وبعدما كان السيد حسن نصرالله قد قال "هذا ليس وقت الساعة الكبرى"، لتكون الساعة الكبرى لبنيامين نتنياهو. هكذا وضع الشيعة أنفسهم قرابين لقضية لم تعد موجودة الا في القبور، أو في قصائد الذين لم يبق منهم أحد على قيد الحياة.

المشهد سريالي. كل الطوائف اللبنانية ضد الشيعة، وكل القبائل العربية ضد الشيعة، لكونهم يشكلون البؤرة الايرانية في قلب لبنان كما في قلب المنطقة. لا أحد هناك كورثة للآلهة، وكورثة للأنبياء، سوى الأميركيين وسوى الاسرائيليين.

نقول للشيعة، باستشراء ثقافة المصالح، وثقافة الأسواق، بما في ذلك أسواق النخاسة، ان زمن القضايا قد انقضى. لا عرب هناك، ولا مسلمون، ولا حتى مسيحيون. قصاصات بشرية مبعثرة في تلك المنطقة الضائعة، والمشرعة الأبواب.

كفى ذلك التعلق العبثي بفلسفة المظلومية. كيف للطائفة التي قهرت اسرائيل على أرض الجنوب، وجعلت الميركافا تبكي في وادي الحجير، أن تبكي على مصيرها؟ الشيخ نعيم قاسم رفع الصوت الذي وصل الى البيت الأبيض (لاحظتم اللغة الرقيقة لتوماس براك وذاك الهذيان في وجه مورغان أورتاغوس). الدولة غير المقاومة. يا فخامة الرئيس... هل تثق بنتنياهو؟ وهل تثق بترامب؟ أنت تحتاج الى صوت الأمين العام لـ"حزب الله"، وقد ارتفع حيثما كان يفترض أن يرتفع...

الأكثر قراءة

لقاء سري يعيد الحرارة بين «بعبدا» و«حزب الله» شرط اميركي جديد «لتمديد محدود» للطوارئ الدولية صيد ثمين لـ«الجيش»: تنسيق بين «عين الحلوة» وفصائل سورية