اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


مثلما يرقص الغراب حول الجثة، يرقص بنيامين نتنياهو حول جثته. لم يعد السؤال الذي يطرحه الباحثون، والمؤرخون، في الدولة العبرية حول نهاية رئيس الحكومة الاسرائيلية، وانما حول نهاية اسرائيل، بعدما استنفدت، على مدى العامين الفائتين امكاناتها العسكرية، والسيكولوجية، وحتى رصيدها لدى الرأي العام الغربي الذي كان يرى فيها لؤلؤة الشرق الأوسط.

كبار المعلقين الاسرائيليين يستذكرون، الآن، كيفية انفجار المملكة الييهودية عقب وفاة سليمان، في الثلث ألأول من القرن العاشر قبل الميلاد، وحيث عزا الفيلسوف اليهودي الهولندي باروخ سبينوزا ذلك الى "لعنة الهيكل"، كنتاج لغباء أو لجنون، الحاخامات "الذين أعادوا انتاج يهوه، وفقاً لرؤيتهم"!

لاحظنا كيف أن نتنياهو ينتقل، من معركة الى معركة، ومن حرب الى حرب، لانقاذ رأسه، بعدما خاض تلك المفاوضات اللولبية مع حركة "حماس"، ودائماً تحت شعار ازالتها من الوجود. أما الآن، وقد وافقت الحركة على المقترح الأخير، مع احتمال أن يشق طريقه الى التفيذ كنتيجة للضغط الأميركي اللامرئي، وبعدما علت أصوات في تل أبيب كما في واشنطن تحذر من انفجار اسرائيل من الداخل اذا ما مضى زعيم الليكود في خطته باعادة احتلال غزة، في ظل ارتباك حاد داخل المؤسسة العسكرية.

المحلل السياسي جدعون ليفي حذر من أن تكون نهاية اسرائيل مثل نهاية اسبارطة التي طالما شكلت المثال للجنرالات الاسرائيليين منذ أيام موشى دايان، وحتى ايال زامير، مرورأ بآرييل شارون، وقد تحولت في نهاية المطاف الى حطام. لكن المفاجأة كانت بكلام نتياهو عن اعتزامه تنفيذ الوصية الالهية باقامة "اسرائيل الكبرى" ما دام العرب قد دخلوا في الغيبوبة الكبرى. في هذه الحال، ما رأي ترامب الذي يراهن على تحويل الشرق الأوسط الى منطقة مستقرة، ومزدهرة، لتبقى بعيدة عن الجاذبية الروسية أو الجاذبية الصينية، على اعتاب صراع حول قيادة العالم بين النسر الأصلع الأميركي والتنين الصيني، وان كان علينا أن نستعيد قول السفير الأميركي في القدس مايكل هاكابي حول تغيير الشرق ألأوسط بأبعاد توراتية.

هذا في أجواء تشير الى أن أي اتفاق أميركي ـ أوكراني حول الشرق الأوروبي ستكون له تداعياته الغامضة على الشرق الأوسط. هل علينا، كلبنانيين أن نبقى في غرفة الانتظار التي هي، في حالتنا، غرفة النار، بعدما هدد قائد المنطقة الشمالية الجنرال أوري غوردن باحتلال الجنوب اللبناني، وربما لبنان كله اذا لم تقم الحكومة اللبنانية بتجريد "حزب الله" من سلاحه، وبطبيعة الحال في اطار جدول زمني محدد.

ولكن ما صرح به توماس براك، أثناء زيارته الأخيرة لبيروت بصحبة مورغان أورتاغوس، يشي بأن القرار الأميركي لا حرب في لبنان، مع تكاثر الحديث عن امكانية شن ضربات اسرائيلية على ايران من شأنها ليس فقط زعزعة النظام هناك. بل تقويضه وهو الحلم الاسرائيلي القديم. وهذا يعني أن "حزب الله" سيفقد سنده الأساسي في كل المجالات، وهو السيناريو من عدة سيناريوات للاستيعاب العسكري والاستراتيحي للمنطقة.

وهنا تشير مصادر ديبلوماسية أوروبية الى أن فرنسا بذلت جهوداً مضنية لدى الادارة الأميركية، من أجل اقناعها بمدى الخطر الذي يتهدد لبنان اذا ما ازداد الضغط عليه لنزع سلاح "حزب الله"، ما يمكن أن يفضي الى اندلاع حرب أهلية، مع قيام عواصم اقليمية بتأجيج المد الطائفي ضد الحزب الى حد ينذر بأخطار هائلة. وفي النظرة الفرنسية فان زعزعة الوضع الشيعي قد تتيح اقامة نظام اسلامي في لبنان، ربما يكون أكثر تطرفاً من النظام الاسلامي في سوريا، بالحرب المفتوحة ضد الأقليات. تالياً تهديد وجود الدولة اللبنانية التي انتظمت، بعد قيام "جمهورية الطائف"، على نوع من التوازن، وان كان التوازن الهش، بين الطوائف.

في هذا السياق ينتظرلبنان عودة توماس براك ومورغان أورتاغوس الى بيروت للاطلاع على الخطة التي وضعها الجيش لنزع السلاح، وان كانت المعلومات تشير الى امكانية ارجاء الزيارة بسبب عدم الاتتهاء من اعداد الخطة التي لا يمكن أن توضع على الورق، دون التفاهم مع "حزب الله". والا كان الصدام الحتمي بين المؤسسة العسكرية والحزب، في ظل تفكك داخلي قد يأتي بعواقب وخيمة على الكيان.

اللافت هنا أن السناتور الجمهوري البارز لندسي غراهام يرافق براك واورتاغوس، وهو المعروف بنأييده الأعمى للدولة العبرية، حتى أنه تبنى دعوة وزير التراث الاسرائيلي عميحاي الياهو بالقاء القنبلة النووية على غزة لازالة الفلسطينيين من القطاع، ما يساعد على ضمه، اضافة الى الضفة الغربية، الى اسرائيل، فهل تكون زيارته لنقل رأي الكونغرس الى المسؤولين اللبنانيين، وهو الذي كان المفكر الفلسطيني الفذ ادوار سعيد يصفه بـ "الكنيست الأميركي".

أوساط مرجع سياسي لا تستبعد أن يطرح سيناتور كارولينا الجنوبية، والأكثر قرباً، وربما الأكثر تأثيراً، على دونالد ترامب مسألة القيام بخطوات في اتجاه قيام علاقات طبيعية بين لبنان واسرائيل، اذ تبعد الخطر الجيوسياسي الايراني عن لبنان، تؤدي الى اسشراء حالة من الرخاء فيه، بعدما كان، وعلى مدى عقود، مسرحاً لكل اشكال الصراعات...

ما لنا الا الانتظار في غرفة النار!!

الأكثر قراءة

«إسرائيل» تفرض واقعها جنوب لبنان... لا تعهدات ولا ديبلوماسية توقفها قلق من مرافقة السناتور غراهام المتشدد «اسرائيليا» لبرّاك واورتاغوس الى بيروت