اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يشكّل انتخاب كلٍّ من قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، وتسمية القاضي نواف سلام رئيساً للحكومة وتكليفه تشكيلها، بارقة أمل للشعب اللبناني الذي عانى الأمرّين من الأزمات المتراكمة. أزمات أدّت إلى اختناق الشعب اللبناني وتدمير حياته الاقتصادية والاجتماعية، حيث تتحمّل الطبقة السياسية جمعاء المسؤولية بعد عقود من الفساد الممنهج، وسرقة المال العام، وتدمير الدولة ومؤسساتها عبر ممارساتها الزبائنية.

في الواقع، يمثّل الثنائي عون - سلام كابوساً للطبقة السياسية اللبنانية بمعظم أفرقائها. فمن جهة، عون هو قائد الجيش الذي حارب الفساد والمفسدين في مؤسسته، ومنع الرشى في المدرسة الحربية، بعد أن استفحل الفساد في بعض جوانبها. كما حافظ على الجيش في أصعب الظروف، وجعل التدخّل السياسي في الجيش في حدّه الأدنى، مانعاً السياسيين من التدخل في شؤونه.

أما القاضي نواف سلام، فهو ابن عائلة بيروتية عريقة، يحمل إرثاً فكرياً وثقافياً غنياً. كان في شبابه يساريّ الهوى، مؤمناً بمبادئ العدالة الاجتماعية ورافضاً لثقافة التبعية والطائفية والمذهبية، ومناهضاً للإمبريالية والاستعمار. كما أن تعيينه على رأس أعلى سلطة قضائية في العالم، أي المحكمة الجنائية الدولية، شكّل قلقاً لإسرائيل. عبّر إعلامها آنذاك عن هذا القلق بشكل واضح، انطلاقاً من مواقفه المعلنة المساندة للقضية الفلسطينية. إذ عدّت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن سلام صاحب تاريخ طويل بمناهضة “إسرائيل” عبر تصريحاته ومواقفه، مذكّرة بموقف له على وسائل التواصل الاجتماعي عام 2015 حيث كتب موجهاً حديثه إلى “إسرائيل”: «عيد ميلاد غير سعيد لك، 48 عاماً من الاحتلال”.

لذا، فإنّ من عليه أن يقلق ويخاف على مستقبله السياسي في لبنان، هو معظم هذه الطبقة السياسية التي عاثت فساداً خلال العقود الماضية. هذه الطبقة قبضت الرشى، وأقامت صفقات التلزيم بالتراضي، وحشت الدولة بأزلامها عبر التوظيف العشوائي، وصولاً إلى تطيير أموال المودعين ورفضها لأي خطة إصلاح حقيقية تعيد حقوق المواطنين اللبنانيين وغير اللبنانيين، ممن استثمروا أو أودعوا أموالهم في المصارف اللبنانية.

إنّ آخر من عليه أن يقلق في هذا المجال هي المقاومة اللبنانية الشريفة، التي وقفت سدّاً منيعاً في وجه جحافل العدو في جنوب لبنان. المقاومة التي رفضت أن تقف متفرّجة على إخوتنا في فلسطين وهم يُذبحون بآلة القتل الصهيونية المدعومة من دول الحلف الأطلسي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. إنّ آخر من يقلق، لا بل لا ينبغي أن يكون هناك قلق، هي مقاومة حزب الله في لبنان. هذه المقاومة التي قدّمت أغلى وأنبل شبابها وشيبها، وعلى رأسهم الأمين العام الشهيد السيد حسن نصر الله، القائد التاريخي الذي لا يتكرّر، وثلّة من القادة الكبار وصولاً إلى القائد الإعلامي الكبير الشهيد الحاج محمد عفيف.

من يجب أن يقلق، هم أولئك الزعماء الذين يتوقّف ولاء أزلامهم وأتباعهم لهم، على قدرتهم على توظيفهم في الدولة ومؤسساتها. فماذا سيحل بهؤلاء الزعماء عندما يكتشف الشعب أنّ بإمكانه دخول إدارات الدولة ومؤسساتها دون المرور بهم؟

من يجب أن يقلق هو من سرق أموال المودعين، ونهب الإدارات العامة، وأقام صفقات الفساد والتراضي في البنى التحتية من طرقات وكهرباء ومياه وإنترنت.

من عليه أن يقلق هو من تآمر مع العدو الإسرائيلي إعلامياً وسياسياً، وحرّض على قتل شعبنا الصامد في الضاحية والجنوب والبقاع وباقي مناطق لبنان.

مقاومتنا الشريفة أكبر وأشرف وأنبل من أن تقلق. قد يكون لدى المقاومة وحلفائها بعض الملاحظات وبعض المآخذ، ولا بدّ للثنائي عون- سلام أن يتفهّما هذا الأمر، ويعملا على طمأنتها وإبداء حسن النيّة تجاهها. كما لا يجب السماح لفريق ما يُعرف بالمعارضة، بتصوير ما حصل في السياسة مؤخراً كأنه هزيمة للمقاومة، بينما هو في الحقيقة هزيمة لهم على المدى البعيد والاستراتيجي. وإذا كانت الطائفة الشيعية تشعر بأنها في دستور الطائف خارج السلطة التنفيذية، فلا بد من الاعتراف بحقها الثابت في وزارة المالية، على أن يكون وزير المال شيعياً من أصحاب الأيادي البيضاء البعيدة كل البعد عن الفساد.

لبنان يحتاج إلى أصحاب النيّات الطيّبة، وعلى هذا الأساس يُبنى بتعاون جميع أبنائه وأطيافه. فلنغتنم الفرصة لبناء دولة ووطن نحفظ عبره مستقبلنا ومستقبل أبنائنا.

الأكثر قراءة

«الثنائي» يعتبر تكليف سلام دون الميثاقيّة الشيعيّة محاولات لتصحيح الخلل بالتأليف لمنع عرقلة انطلاقة العهد الحزب يتحدث عن «كمين»... وبري: لن نستسلم للأمر الواقع