يعيش لبنان في الفترة الحالية طقسًا مستقرًا يتسم بدرجات حرارة أعلى من معدلاتها الموسمية، مصحوبًا بانخفاض ملحوظ في معدلات الأمطار التي تُعد شريان الحياة للنظام البيئي والزراعي. هذه الظاهرة ليست مجرد حدث عابر، بل تعكس تغيرات مناخية عميقة تُعزى إلى تأثيرات الاحتباس الحراري والأنماط المناخية العالمية المتقلبة. إن هذا التغيير في أنماط الطقس يُلقي بظلاله على مختلف جوانب البيئة والطبيعة، ما يدفعنا إلى التعمق في فهم أسبابه وتداعياته المستقبلية.
الأسباب والتغيرات المناخية
يرتبط ارتفاع درجات الحرارة في لبنان بمجموعة من العوامل المتداخلة. يشكل التغير المناخي العالمي الناتج عن زيادة تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي العامل الرئيسي وراء ارتفاع درجات الحرارة في العالم أجمع، بما في ذلك لبنان. كما تتعرض المنطقة العربية بشكل عام، ولبنان بشكل خاص، إلى تكرار الظواهر المناخية المتطرفة مثل موجات الحر والجفاف، مما يساهم في تفاقم هذه المشكلة. وتضاف إلى ذلك العوامل المحلية مثل التوسع العمراني، وقطع الأشجار، وتلوث الهواء، التي تؤدي إلى تقليل المساحات الخضراء التي تعمل على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتخفيف حدة الحرارة.
تؤثر هذه التغيرات المناخية بشكل كبير على البيئة اللبنانية. ارتفاع الحرارة يؤدي إلى ازدياد معدل تبخر المياه من الموانئ والمساطح المائية، ما يقلّل من مخزون المياه ويسبب جفافاً في الأراضي الزراعية. كما تتراجع المواسم المطرية، مما يدفع منسوب المياه الجوفية إلى الانخفاض ويزيد من معاناة المجتمع في تأمين المياه المنزلية والزراعية.
أما على المدى البعيد، فإن استمرار هذه الظواهر قد يؤدي إلى انقراض بعض النظم البيئية الحساسة. النباتات والحيوانات التي تعتمد على المناخ المعتدل قد تجد نفسها غير قادرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، مما يؤدي إلى اختلال في التوازن البيئي. على سبيل المثال، قد تهاجر بعض أنواع الطيور إلى مناطق أكثر ملاءمة، مما يخل بالتوازن الطبيعي في البيئة اللبنانية.
هذا ولا تقتصر تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة على البيئة فقط، بل تمتد لتشمل الاقتصاد والمجتمع. القطاعات الزراعية التي تُعتبر مصدر رزق للعديد من اللبنانيين تواجه تحديات كبيرة، مما يهدد بفقدان وظائف وزيادة معدلات الفقر. كما أن التغيرات المناخية تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الطاقة نتيجة الاعتماد المتزايد على أجهزة التبريد خلال فترات الحر الشديد.
إضافة إلى ذلك، فإن تراجع الموارد المائية قد يؤدي إلى نزاعات محلية على المياه، مما يزيد من التوترات الاجتماعية. كما يمكن أن تؤثر هذه التغيرات على الصحة العامة، حيث يزداد خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة مثل الإجهاد الحراري وضربات الشمس.
إعادة التشجير: حلّ مُستدام
لمواجهة التغيّر المناخي؟
إعادة التشجير تُعدّ أحد الحلول الأكثر فعالية لمواجهة تأثيرات التغير المناخي في لبنان، حيث تلعب دورًا محوريًا في تعزيز التوازن البيئي وتقليل الأضرار الناتجة عن الاحتباس الحراري. تُسهم الأشجار في امتصاص ثاني أكسيد الكربون، أحد الغازات الرئيسية المسببة للاحتباس الحراري، ما يساعد على تقليل تركيزه في الغلاف الجوي. بالإضافة إلى ذلك، تساهم الغابات المزروعة حديثًا في تحسين جودة الهواء وتنقية المياه، وتعزيز التنوع البيولوجي من خلال توفير موائل طبيعية للعديد من الكائنات الحية.
في السياق اللبناني، تُعد إعادة التشجير خطوة ضرورية لمواجهة التصحر والجفاف الناتجين عن تغير المناخ، خاصة في المناطق المتضررة من الحرائق أو التوسع العمراني غير المخطط. كما أن الغابات تُساعد في استقرار التربة ومنع الانجراف، ما يحافظ على الأراضي الزراعية ويحسن من قدرة لبنان على تحقيق الأمن الغذائي. علاوة على ذلك، يمكن أن تكون إعادة التشجير مصدرًا هامًا لتعزيز الاقتصاد المحلي من خلال خلق فرص عمل في مجال الزراعة المستدامة والسياحة البيئية.
حرارة الأرض في الـ 2024
تتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية
أعلن العلماء أن عام 2024 كان أول عام تشهد فيه درجات الحرارة العالمية تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهو ما أكدته خدمة كوبرنيكوس لمراقبة تغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن تغير المناخ يدفع حرارة الكوكب إلى مستويات غير مسبوقة في العصور الحديثة. ووصف كارلو بونتيمبو، مدير الخدمة، هذا المسار بأنه "لا يُصدق"، مؤكدًا أن كل شهر في عام 2024 كان الأكثر دفئًا أو ثاني أكثر شهر دفئًا منذ بدء التسجيلات. وفي تعليق على هذه الظاهرة، وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الارتفاع الأخير في درجات الحرارة بأنه "انهيار مناخي".
إن ارتفاع درجات الحرارة في لبنان إلى معدلات تفوق المستويات الموسمية ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل إنذار بيئي واجتماعي يتطلب تحركًا عاجلًا. مع استمرار هذه الظاهرة، تتضاعف التحديات التي تواجه البيئة، الزراعة، الموارد المائية، والصحة العامة. ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا من خلال تبني حلول مبتكرة ومستدامة مثل إعادة التشجير، تحسين إدارة الموارد المائية، وزيادة الوعي البيئي. لبنان، رغم صغر مساحته، يمتلك إمكانيات كبيرة لمواجهة هذه التغيرات عبر الاستثمار في استراتيجيات وطنية ودولية تهدف إلى التخفيف من تأثيرات التغير المناخي وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
يتم قراءة الآن
-
السعودية ستُرَخّص بيع الكحول في مواقع محددة في عام 2026
-
أيها الإيرانيّون... فليذهب الى الجحيم
-
الجنوب يقترع... تثبيت للخيارات التاريخية وسط استحقاق «البلديات» <أم المعارك> في جزين وسباق مفتوح في صيدا الزوار الاميركيون بالجملة وعروض لـ«الثنائي» و15 حزيران تسليم سلاح مخيمات بيروت
-
حين تنتصر البلدة للفكر الجديد دون أن تتخلى عن جذورها
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
22:19
المبعوث الأميركي إلى سوريا: بسقوط نظام الأسد فتح باب السلام وبرفع العقوبات نتيح للشعب السوري فتح ذلك الباب، وولادة سوريا الجديدة تبدأ بالحقيقة والمساءلة والتعاون مع المنطقة.
-
22:19
المبعوث الأميركي إلى سوريا: مأساة سوريا ولدت من الانقسام وولادتها مجددا تأتي من الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها، وتقسيم الغرب المنطقة وسوريا كلف أجيالا بأكملها ولن نكرر هذا الخطأ.
-
22:19
المبعوث الأميركي إلى سوريا: الغرب فرض حدودا مرسومة بالحبر واتفاقية سايكس بيكو قسمت سوريا والمنطقة لأهداف استعمارية، وزمن التدخل الغربي انتهى والمستقبل في حلول إقليمية وشراكات قائمة على الاحترام.
-
19:43
رئيس وزراء مالطا: سنعترف بالدولة الفلسطينية خلال مؤتمر حل الدولتين في نيويورك الشهر المقبل.
-
19:42
رويترز عن وزير الخارجية الألماني: الهجمات الروسية الكبيرة على أوكرانيا تظهر عدم اهتمام بوتين بالسلام، يجب الرد على روسيا بفرض مزيد من العقوبات.
-
19:42
هيئة الطيران الروسية: عودة مطارات موسكو للعمل بشكل طبيعي بعد تعليق مؤقت بسبب هجمات بمسيرات أوكرانية.
