«انتصار الدم على السيف»، عبارة تختزل في معانيها جوهر الصراع الأزلي بين المستكبر الظالم والشعوب المناضلة التي تأبى الخضوع، والتي تدافع عن حقها في الحياة الحرة على أرضها وفي بيئتها التاريخية والطبيعية.
السيف رمزٌ للقهر والظلم، أداة الخراب والهيمنة. أما الدم، فهو جوهر الحياة وأساسها، هو النبض الذي يجري في عروقنا، هو مرتكز هذا الوجود، وهو إكسير الدفاع عن الكرامة والعزة حين يستدعي الموقف استنفاده. وعندما تنتصر الدماء على السيف، فإن ذلك تجسيد لانتصار إرادة الحياة على الطغيان، وانتصار لإرادة البقاء على إرادة المحو والإلغاء.
بالأمس، أُعلن عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، على أن يبدأ سريانه بعد غدٍ، أي يوم الأحد. وعندما تعلن حركة حماس انتصارها في القادم من الأيام، فإنها تعلن انتصار الإرادة الفلسطينية على الإرادة الإسرائيلية التي سعت إلى إلغائها من الوجود وفشلت. كما تعلن انتصار إرادة البقاء للشعب الفلسطيني على أرضه، رغم أن أحدث وأفتك الأسلحة قد استُخدمت ضده وضد المقاومين. ولو وُجّهت هذه الأسلحة إلى أي جيش نظامي، لما صمد سوى أيام معدودة، بينما صمدت المقاومة الفلسطينية اكثر من465 يوماً. ولقد رأينا في الشهر الفائت كيف انهار الجيش السوري أمام هيئة تحرير الشام، على الرغم من أن الجيش السوري كان مجهزاً بصورة أفضل من المعارضة السورية المسلحة. وهذا ليس إلا نتيجة حتمية لانهيار إرادة القتال والصمود لدى هذا الجيش.
بالعودة إلى غزة، فإن مجرد صمود المقاتلين الفلسطينيين، وعجز الجيش الإسرائيلي عن اقتلاعهم من أي بقعة في قطاع غزة المحاصر، يشكل بحد ذاته انتصاراً للفلسطينيين على الإسرائيليين. أما من يزعم أن «إسرائيل» انتصرت، فهو واهم، إلا إذا كان يعتبر أن قتل المدنيين بالآلاف وتدمير الأحياء والمدن دون تحقيق أي هدف عسكري كتحرير رهائن أو كسر إرادة المقاومة، يُعد إنجازاً. وإن كان هناك من يرى في ذلك نصراً، فلا شك أنه يحتاج إلى مراجعة منطقه وإعادة تقييم معاييره.
في لبنان، وجهت «إسرائيل» ضربات قاسية ونوعية للمقاومة، وأي تنظيم آخر كان سيعلن استسلامه فور تلقيه هذه الضربات والنكسات. غير أن إرادة القتال لدى المقاومة اللبنانية الإسلامية لم تنكسر قط، بل ذهب قادتها إلى أقصى حدود المواجهة مع «إسرائيل»، القوة الإقليمية العظمى المدعومة من القوة العالمية العظمى، وهي الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الغربيون. ومع ذلك، منع بضعة آلاف من رجال المقاومة ثلاث فرق من جيش العدو من تحقيق أي إنجاز على أرض الجنوب. وأي جيشٍ هذا الذي يعجز عن تحقيق أهدافه في ساحة المعركة، ثم ينتظر اتفاقيات وقف إطلاق النار لتحقيق ما عجز عنه؟ وهل يمكن لجيشٍ يعترف ضمنياً بفشله الميداني أن يدّعي نصراً؟ التاريخ وحده سيكشف زيف هذه الادعاءات، وسيسجل أن «إسرائيل»، من دون الدعم الأميركي اللامحدود، لم تكن لتصمد أمام محور المقاومة.
في واقع الحال، لقد انتصرنا على هذا العدو انتصار الدم على السيف. مجرد وجودنا هو انتصار. مجرد بقائنا بعد تلقين «إسرائيل» درساً في السابع من أكتوبر هو انتصار. مجرد فشل «إسرائيل» في اقتلاعنا هو انتصار. مجرد أن تشرق شمس اليوم التالي لتاريخ وقف النار في غزة وحماس ومقاتلوها ما زالوا أحياء يتنفسون هواء الكرامة على أرض فلسطين، بينما ينسحب الجيش الإسرائيلي خائباً، هو انتصار.
اليوم وغداً، ينتصر الدم على السيف. وبيننا وبين هذا العدو الأيام والليالي والسنين. والله على كل شيء قدير، طالما أن إرادة البقاء والحياة تنبض في عروقنا. رحم الله شهداءنا الأبرار، وأسكنهم فسيح جناته.
يتم قراءة الآن
-
تأسيس «المجلس العسكري المسيحي» في سوريا: «مظلة» الدولة لا تقي
-
ربط نزاع بين الحكومة والثنائي الشيعي بانتظار 31 آب هل حصل سلام على تطمينات اميركية بالتمديد لليونيفيل دون تعديلات؟ حزب الله ضد اي تحرك في الشارع وتنسيق مع الجيش لضبط الاوضاع
-
الخلفيات الخطرة للمشهد اللبناني
-
هل تسير العلاقة بين جنبلاط و"الثنائي" نحو الفراق؟
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:25
مصادر عسكرية لـ"الجديد": الجيش اللبناني ينفذ انتشاراً في كل المناطق التي من الممكن أن تشهد تحركات شعبية من بعلبك الى الجنوب مروراً ببيروت والضاحية مع اصرار الجيش على عدم قطع الطرقات خاصة طريق المطار
-
22:20
مسيرات احتجاجية رفضاً لقرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة في البقاع الأوسط مع انتشار لعناصر الجيش اللبناني في المنطقة
-
22:15
الجيش اللبناني يقفل حاجز عين الدلب - شرق صيدا بالإتجاهين ويقطع طريق المية ومية شارع الهمشري
-
22:12
القناة 12 عن مسؤول "إسرائيلي": لا نستبعد العودة إلى المفاوضات بشأن صفقة جزئية في إطار خطة ويتكوف
-
21:45
وسائل إعلام "إسرائيلية": تظاهرة حاشدة في "تل أبيب" احتجاجاً على قرار "الكابينت" احتلال مدينة غزة
-
21:37
الجديد: جلسات مجلس الوزراء ستتوقف في الأسبوع الثالث من شهر آب بسبب عطلة المديرين العامين في القصر الجمهوري والسراي الحكومي على أن تُستأنف نهاية هذا الشهر
